التسميات

الاثنين، 1 فبراير 2016

تأثير التنمية الحضرية على المظهر العام للمدينة المنورة - أ.د. محمد شوقي بن إبراهيم مكي ...

تأثير التنمية الحضرية على المظهر العام للمدينة المنورة

ملخص البحث

      يشرح الباحث خصائص المكان، ويركز على العوامل الرئيسية التي توضح خصوصية التجربة الحضرية في المدينة المنورة، كما يوضح أسباب اختلال العلاقة بين هذه العوامل والتنمية الحضرية الحديثة في المدينة المنورة. ويلقي الباحث الضوء على الجهود المبذولة من قبل القطاعات الرسمية وغير الرسمية للمحافظة على توازن هذه العلاقة. وفي نهاية البحث يضع الباحث العديد من المقترحات والتوصيات التي يمكن تنفيذها لخلق بيئة حضرية معاصرة متميزة تحافظ على التراث العمراني والعلاقات المكانية، وتتطلع إلى التحديث المتوازن دون ضرر للمظهر الحضاري العام في المدينة المنورة. ويستخدم الباحث لتحقيق أهدافه الخريطة والصور الجوية والفوتوغرافية.      محمد شوقي بن إبراهيم مكي

تقديم:
      كانت المدينة المنورة تقدم نسيجاً عمرانياً وحضارياً فريداً طُرِّزَ خلال مراحل متعددة من مجرى تاريخها الطويل. ولا تزال بقايا هذا التطريز تتجلى في تركيبها ومظهرها الحضاري العام.وقد كان هناك تناغم كبير بين تركيب المدينةStructure ومظهرها العامLandscape. ويبدو أنه خلال نحو الأربعة عشر قرناً الماضية قد أصاخ البناؤون والمخططون سمعهم وسلوكهم لما كان يهمس به هذا المظهر العام، وكانت تصرفاتهم تتم بناء على هذا الانسجام بين الإنسان وظروف البيئة الطبيعية والبشرية المحيطة بها. وقد أوجدت الخصائص الفريدة للمكان الملامح التي اعتمدت عليه برامج تطوير وتنمية المدينة المقدسة.
     وبينما يظهر تحليل خصائص المكان بعض التناقضات الظاهرية التي تبدوا أنها معيقة لاستمرار التناغم بين عناصر المظهر العام إلا أن هناك عوامل رئيسية ثلاثة تؤكد خصوصية التجربة الحضرية للمدينة المنورة:
1-   التنوع الميز بين خصائص الموضع المتمثلة في السهل والجبل والحرار وبقية الخصائص الطبيعية المحيطة بالمظهر الحضاري العام الذي يظهر الصبغة المحلية للامتداد المكاني،والصبغة العضوية في المخطط الذي يمثل عمراً زمنياً متفاوتاً،والصبغة العالمية المتمثلة في اجتذاب الزوار من الآفاق  والتي انعكست في شبكة من الأنماط المعمارية والسلوكية في المجتمع المدني. ولقد أدت الأهمية الروحية للمكان إلى المزيد من الترابط بين السكان على الرغم من الأنماط الحضارية المختلفة التي انصهرت ضمن تعاريج المكان بين السهل والجبل والوادي. ولم تؤد هذه التعاريج والاختلافات إلى التنافر وإنما إلى التأكيد على التوجيه المحافظ على خصائص المكان والسكان.
2-  ويظهر العامل الثاني في النمط المعماري الإسلامي الراقي للمسجد النبوي الشريف قبل التوسعة السعودية الأولى وبعدها، وانسجامه مع الاستخدامات السكنية والتجارية والخدمية حوله. فقد كان المسجد النبوي الشريف يمثل الصورة المركزية لهذا المظهر العام والذي كان يجذب الزائر من أي اتجاه قدم منه للمدينة ويربطه روحياً بهذا المكان. وفي الواقع يشعر الزائر أو المقيم العائد للمدينة المنورة دون أدنى شك بأن هذا المركز وجد ليكون هناك، وأن عليه أن يصل إلى هذا المكان بأي طريق. وقد لاحظ فيلبي أنه على الرغم من ازدحام المباني حول الجانب الجنوبي للمسجد النبوي إلا أنه تميز بإمكانية رؤيته من عدة أماكن خارج المدينة، وأن هذه الرمزية مهمة ليست للمدينة فقط وإنما للجزيرة العربية كلهـا(Philby, H., A Pilgrim in  Arabia, pp.60-61 ). ولم يكن أي مبنى في المدينة حتى الثمانينات من القرن الرابع عشر الهجري يحجب رؤية هذا المركز لمسافة تصل إلى أكثر من 20كم في الجهة الغربية، ونحو 15كم في الجهة الشرقية، ونحو 7كم في الجهة الشمالية،ونحوها في الجهة الجنوبية(صورة رقم1). ولقد كانت اللوحة المعمارية للمسجد النبوي ابتكاراً ونصراً هندسياً وضعت أسسه  

صورة رقم(1أ):المدينة المسورة وتبرز فيها منائر المسجد النبوي الشريف  
صورة رقم 1ب):المدينة المنورة في سنة 1402هـ ولا تزال تبرز فيها منائر المسجد النبوي الشريف 
من عند الخالق عز وجل عند ما أمر القصواء بالإناخة في موضع المسجد([1]). وبرع المعماريون على مر الزمان في حل إشكالية الربط المتواصل بين المركز والبيئة المحيطة، بحيث أصبح هذا المركز بقبته الخضراء علامة مميزة طبيعية وحضارية وروحية تهفو إليها أفئدة كل مسلم،وتعكس مهارات عظيمة مارسها الإنسان في التخطيط والبناء والرسم والخط والربط بين عناصر استخدامات متعددة، مما يمثل تراثاً إنسانياً تجب المحافظة عليه.
3-  ويتمثل العامل الثالث في سيادة الخضرة في المدينة القديمة والتي تطوقها كتطويق السوار للمعصم، بل وتتخللها كتخلل الشرايين للجسم مع الأودية التي تتخلل المدينة وتسيل في الفصول المطيرة، مما يشكل صورة جانبية حادة في بعض الأماكن،وسطحاً أفقياً منسجماً يربط بين عناصر المظهر العام الممثل للمدينة والريف(صورة رقم2). فليس هناك فصل بين حياة المدينة والريف، وإنما يشكل المظهر العام كلا متكاملا مكانياً واقتصادياً واجتماعياً حتى في فترات بناء الأسوار حول المدينة خلال العصور الوسطى لغرض الحماية. لقد قامت المزارع داخل المدينة وحولها بوظائف هامة للإنتاج الاقتصادي، وكمتنفس يوفر الهواء النظيف داخل البيئة الحضرية وحولها، بالإضافة إلى أنها مكان مناسب جداً للترفيه وقضاء أيام الإجازات بأجر أو بتأثير الروابط الاجتماعية التي تربط بين أصحاب المزارع وسكان المدينة المنورة. فكما لاحظ فيلبي قيام أهل المدينة بالنزهة في البساتين المحيطة بها على ظهور الحمير والبغال، وخلال موسم الحج عندما تتوفر سيارات نقل الحجاج بين مكة والمدينة تستخدم هذه السيارات للنزهة والزيارات للأهالي والحجاج(Philby, H.,A Pilgrim in Arabia, p73).
     لقد تغيرت هذه المظاهر خلال الثلاثين سنة الماضية، فبدأت تظهر كثير من المباني المتباينة الارتفاع والمختلفة في التصميم المعماري، مما حجب هيمنة المسجد النبوي الشريف على خط الأفق، وبدأ الإنسان  يسوى الأرض، وينسف الجبال، ويبني في مكانها المباني الشاهقة، ويبني في بطون الأودية بعد أن أقام السدود وحجب مرور المياه داخل المدينة، مما أفقد التناغم السابق بين البيئة الطبيعية والمظهر الحضاري العام. والأهم من هذا وذاك هو إزالة المساحات الخضراء داخل المدينة القديمة وخارجها بشتى الطرق، واستبدالها بالكتل العمرانية، مما أدى إلى تناقص هذه المساحات وأصبح يهددها بالزوال، مما يعني فقد المدينة لميزة فريدة استمرت لقرون عديدة. وأتى الإنسان المعاصر في خلال نحو ثلث قرن ليعبث ويخرب ما بُني بعرق الرجال خلال مئات السنين، فأوجد تحولاً وعزلاً مفاجئاً بين المدينة والريف (صورة رقم3).  

    صورة رقم (2):جانب من المظهر العام في المدينة المنورة الممثل للحياة الحضرية والريفية(منطقة العوالي وقربان وقباء). 

صورة رقم (3): مزارع تتحول تدريجياً إلى مباني.

      وعلى أية حال، فبالإضافة إلى العوامل الرئيسية السابقة فإن تميز المدينة المنورة يبرز أيضاً من خلال التنوع في الخصائص،فهي مكان له خصوصية دينية لوجود قبر الرسولe، ومسجده ثاني أهم مسجد تشد له الرحال ويزوره المسلمون من كل أنحاء العالم، وهي مكان اقتصادي يشجع على الإنتاج والتجارة والصناعة لوجود الموارد المائية والتربة الصالحة للزراعة والنقل الجيد والموقع الاستراتيجي الذي يمكن من جلب المواد الخام غير المحلية وتصدير المواد المصنعة، فهي إذن مكان للطبيعة والحضارة، مكان حضري وريفي،ومكان تذكاري ومحلي تبرز فيه التقنيات الحضارية العالمية والأفكار الأصيلة التراثية المرتبطة بالحرف والصناعات المحلية. وهي مكان يرتبط بإدارة محلية، ولكنه ذو علاقات إقليمية ووطنية وقومية ودولية بارزة لأهميته الإسلامية. فهي قطب مهم للتنمية والحضارة في غرب المملكة العربية السعودية،ومن ثم فإنه ليس من المستغرب أن تبذل عناية كبيرة في تخطيط المدينة المنورة وتنميتها المتوازنة والحذرة.
     إن النوعية المميزة للمظهر العام للمدينة المنورة على مدى قرون عديدة تعكس العناية التي حظيت بها المدينة طيلة هذه القرون من قبل القطاعين العام والخاص. فهذه العناية لم تقتصر على الحاكم أو الأمير، وإنما اهتم بها القاضي والمحتسب، والتاجر والمزارع، والمقيم والزائر، والموظف والعامل وغير العامل.
      ومن هنا تبرز أهداف الدراسة في تحديد الخصائص الطبيعية والحضارية للمدينة المنورة،مع إبراز الثغرات التي حصلت خلال الثلاثين أو الأربعين سنة الماضية على هذه الخصائص والتعرف على تأثير التفاعل البشري البيئي على احتمال تدهور خصائص البيئة المحلية،ومن ثم وضع التصورات التي يمكن أن تحفظ البقية الباقية من هذه الخصائص. ولتحقيق هذه الأهداف قد تبرز بعض التساؤلات التي يمكن أن تقود عمليات البحث وهي:
1-   ما هي الخصائص الطبيعية والحضارية التي تميز المدينة المنورة؟.
2-    هل كل هذه الخصائص جيدة ومساعدة على استمرار الحياة المنسجمة للسكان؟.
3-    ما نوع التغيرات التي حصلت على هذه الخصائص خلال تاريخها الطويل،وهل هذه التغيرات تتجه إلى الأحسن أم إلى الأسوأ؟.
4-      هل يمكن المحافظة على الجيد من هذه الخصائص ومعالجة السيئ منها؟. 

خصائص المكان وآثارها: 
     كان الموقع الأصلي للمدينة المنورة عبارة عن عدة قرى أهمها قرية يثرب التي يعتقد أنها تقع في ما يعرف الآن بالعيون والتي سكنت من قبل جماعة من العماليق يقال لهم عابيل، ثم توالت الهجرات إلى هذا الموضع والمواضع القريبة منه حتى جاء الإسلام في سنة 622م ووحدها في مدينة واحدة أصبح يطلق عليها المدينة المنورة(مكي،محمدشوقي بن إبراهيم،أطلس المدينة المنورة،ص30). وتقع هذه المدينة على خط الطول 36َ 39ْ شرقاً ودائرة العرض 38َ 24ْ شمالاً.
     ويمكن اعتبار المدينة المنورة من مدن الواحات المحاطة بالجبال والحرات،وتتخللها أو تحيط بها الوديان الكبيرة(بطحان،العقيق،قناة)، والصغيرة(مذينيب،مهزور،رانوناء). وتنتشر المزارع على ضفاف هذه الوديان حيث تتوفر التربة المناسبة للزراعة، والموارد المائية الكافية في فصل الأمطار وخارج هذا الفصل الذي هو غالباً فصل الشتاء أو الربيع.
     ويرتبط امتداد هذه الأودية ومظاهر السطح الرئيسية في المدينة بالتركيب الجيولوجي للمدينة. ويعكس هذا التركيب تنوعاً واضحاً في الخصائص الطبيعية للمكان، حيث نجد التركيبات التالية(شكل رقم1):
1-    التكوين الرباعي الذي يغطي معظم المدينة المنورة، ويمتد نحو الجنوب على شكل جيب مفتوح نحو الشمال. ويتألف هذا التكوين من الحصباء والرمل الطيني والغريني المتراكم من تفتت الصخور المنقولة من التكوينات البركانية القديمة وتكوينات ما قبل الكمبري.
2-           تكوينات ثلاثية ورباعية تحيط بالجيب الرباعي من الشرق والجنوب والغرب،وتتألف هذه التكوينات من صخور بازلتية.
3-        تكوينات الأندسايت القديمة وتمتد بشكل رئيسي غرب المدينة المنورة،والتي تضم التراكيت وبعض الرايولايت والفونولايت.
4-        الجرانيت الأحمر الذي يمتد غربي المدينة جهة جبال الجماوات التي تعتبر مصدراً رئيسياً لتوفير الرمل والحجر الأحمر.
      وبالإضافة إلى هذه التكوينات الرئيسية تتناثر تكوينات أخرى وتتداخل مع التكوينات السابقة مثل التكوينات الأسيدية النارية، والجرانيت النيسوزي،والشست السرسايني والكلورايتي، وهناك بعض الصدوع الممتدة على شكل أنصاف دوائر غربي المدينة المنورة المنحدرة نحو الشرق والجنوب الشرقي. كما توجد بعض السبخات الملحية، وخاصة في شمال المدينة.
     ومن الواضح أن هذا التعقيد في التركيب الجيولوجي لموضع المدينة المنورة أدى إلى وجود العديد من العناصر التعدينية الهامة التي استغلت منذ فترات طويلة، ويمكن أن يطور استغلالها اقتصاديا ضمن  
برامج تنمية المدينة المنورة، مثل استخدام المواد الحرارية(الصلصال والمغنسيوم والسيليكا)،واستخدام الطين والحجر والرخام كمواد بناء أساسية. كما أدى ذلك التعقيد إلى تكون تربة غنية ساعدت على النمو الزراعي، خاصة في جنوب المدينة المنورة حيث تختلط التكوينات الرباعية بمفتتات الصخور البركانية، مما أدى إلى تكون تربات صلصالية ثقيلة في مناطق العوالي وقربان وقباء، بالإضافة إلى التربات الصلصالية الخفيفة في مناطق العيون وسيد الشهداء شمالي المدينة المنورة. وهناك التربة الغرينية عالية الخصوبة على ضفاف وبطون الأودية. كما توجد الترب الرملية عند أقدام الجبال الغربية في منطقة آبار علي، والشمالية الغربية في منطقة الجرف.
     وتتميز المرتفعات حول الجيب الرباعي الذي تشغله المدينة المنورة بكونها مرتفعات فردية لم تستغل للسكن أو البناء، كما يحدث في المدن الأخرى إما للأهمية الدينية والتاريخية لهذه الجبال مثل جبل أحد لقوله e:]هذا جبل يحبنا ونحبه[ ( البخاري، أبي عبد الله محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري،حديث رقم 2889/ص555)، أو لورود بعض الروايات عن عدم محبة بعض الجبال مثل جبل عير([2]) لقولهe:]..وهذا عير جبل يبغضنا ونبغضه إنه على باب من أبواب النار[. وقد ضعف الألباني والهيثمي هذا الحديث (الألباني، محمد ناصر الدين، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة،ج 4،حديث رقم1618، ص122؛ الهيثمي ، نور الدين، مجمع الزوائد،ج 4، ص13).
     وتنحدر أرض المدينة المنورة بشكل عام من الجنوب إلى الشمال، حيث يبلغ معدل الإرتفاع في الجنوب 620م،وفي الشمال 595م،مما جعل معظم أودية المدينة تتجه من الجنوب إلى الشمال، حيث تجتمع في مجمع الأسيال غربي جبل أحد، ثم تتجه نحو الشمال الغربي لتلتقي مع أودية النقمي والحمض الذي ينتهي على ساحل البحر الأحمر.
     أما مناطق الحرات فهي أقل ارتفاعاً من هذه الجبال،وتقع في الغالب في شرق وغرب وجنوب المدينة المنورة، وتتميز بهشاشة صخورها وتضرسها وكثرة الشقوق والأطراف الحادة خلالها.
     ويتميز مناخ المدينة المنورة بخصائص معينة كانت لها انعكاسات عديدة. ويمكن وصف مناخ المدينة المنورة بشكل عام بأنه مناخ مداري قاري حار، يتأثر بخصائص مناخ البحر المتوسط في الشمال، والمناخ الموسمي في الجنوب، والمناخ القاري في الشرق، كونها تقع في العروض المدارية بارتفاع محدود عن سطح البحر(590-620م)، وبعيدة عن المسطحات المائية حيث تبعد عن ساحل البحر الأحمر الشرقي بنحو 240كم. ولهذا كان المتوسط العام لدرجات الحرارة مرتفعاً، يصل إلى نحو 28ْم،ويرتفع هذا المتوسط إلى نحو 36ْم في شهر يوليو،وينخفض إلى نحو 18ْم في شهر يناير. وقد تصل درجات الحرارة الفعلية إلى قيم تختلف كثيراً عن هذه المعدلات حيث تسجل أحياناً درجات تصل إلى 48ْم في شهر يوليو، كما حدث في سنة 1987م، وتمتد الفترات التي يمكن أن تسجل فيها مثل هذه الدرجات المرتفعة إلى ما بين شهري أبريل وأكتوبر (نحو 7 أشهر من السنة). كما تنخفض درجات الحرارة إلى أقل من 15ْم في بعض أيام شهري ديسمبر ويناير، ثم ترتفع درجات الحرارة إلى أكثر من 20ْم في بقية السنة، مما يعني أن درجات الحرارة مرتفعة في معظم أشهر السنة.
     ونتيجة لهذه الصفات القارية يتميز مناخ المدينة المنورة بالجفاف، إذ يبلغ متوسط التساقط السنوي نحو 42ملم يصل معظمه في أشهر نوفمبر ويناير، أو مارس وإبريل، ونادراً ما تسقط الأمطار في فصل الصيف، وهي غالباً من الأمطار الإعصارية التي تجلب السيول التي تمتليء بها أودية المدينة المنورة. وقد ترتفع معدلات المطر في بعض السنوات، كما حدث في سنة 1971م حين بلغ المعدل السنوي نحو 104ملم، وتنخفض في بعض السنوات إلى أقل من 1ملم، كما حدث في سنة 1973م. ولعل هذا هو السبب الرئيسي في انخفاض معدل الرطوبة النسبية في المدينة المنورة إلى أقل من 5% في أشهر يونيو ويوليو، وارتفاعها النسبي في أشهر نوفمبر ويناير وفبراير إلى نحو 55%. والرياح السائدة في المدينة المنورة هي الرياح الغربية، والجنوبية الغربية، والشمالية الغربية، والجنوبية الشرقية، وهي رياح متوسطة السرعة تتراوح بين 20-25 عقدة/الساعة، وقد تتسرب في بعض أيام السنة الرياح الشرقية، أو الشمالية الشرقية، وهي رياح حارة تحدث غالباً في فصل الصيف. أما الرياح الشديدة التي تتجاوز سرعتها 40 عقدة/الساعة فهي نادرة وغالباً ما تأتي من الاتجاهات الغربية والجنوبية الغربية. ولعل سبب ذلك هو انخفاض الضغط الجوي بشكل عام في المدينة المنورة، فإنه يتراوح بين 932-935 مليبارا في أشهر الصيف، ويرتفع قليلاً في أشهر الشتاء إلى نحو 950 مليبارا.
      وقد نتج عن هذه الخصائص العديد من الآثار التي صاغت تميز المدينة المنورة في نموها المحلي ومظهرها العام، وأهميتها الخارجية. فلقد أدت الخصائص الطبوغرافية للموضع إلى ظهور النشأة الأولى للمدينة المنورة في المنطقة المنخفضة المستوية السطح،ثم نمت تدريجياً على المناطق المتوسطة الارتفاع في جنوب المدينة،ولكنها لم تتجه إلى المناطق الجبلية المرتفعة على الرغم من حدوث النزاعات العرقية والقبلية بين سكانها في الفترات السابقة للإسلام، واستخدمت بدلاً عن ذلك الحصون والآطام للحماية. وبذلك بقيت بعض الجبال أعلاماً ترصع محيط المدينة مثل جبال أحد، وسلع، والجماوات، وعير. ولعل تحديد نقطة الصفر الديموغرافية تظل نظرية إذ لا توجد أدلة قطعية تحدد تاريخاً دقيقاً لنشوء المدينة، فتنامي المجتمعات الحضرية يخضع لشروط معقدة تتصل بخصائص المكان الطبيعية والبيئية. وهناك آراء عديدة حول نقطة الصفر هذه،لعل أقربها ما ذكر من احتمال الاستيطان الأول في المدينة في النصف الثاني من الألف الثاني قبل الميلاد(مكي،محمدشوقي بن إبراهيم،أطلس المدينة المنورة،ص30). وقد كانت المنطقة خلال هذه الفترة تتميز بوفرة أمطار البلايستوسين،خاصة خلال الدور الرطب الثاني الذي امتد حتى الألف الأول قبل الميلاد،وربما حتى القرون الأولى من الميلاد. ولهذا وصفت الجزيرة العربية بأنها كانت كالجنات التي تجري بها المياه، وتنمو فيها النباتات الوفيرة (عبده، طلعت أحمد محمد،الجغرافيا التاريخية في البلايستوسين،ص ص372-374). ولهذا استغلت مجاري الوديان في المدينة وضفافها للاستخدام الزراعي. ولكن التغيرات المناخية التالية والتي جلبت الجفاف للمنطقة جعلت هذه الأودية وما تختزنه من مياه الأمطار حيوية  وكافية في الوقت نفسه لذلك الاستخدام. وتشكل لهذه الاستخدامات نظاماً لتوزيع الأراضي الزراعية والحضرية التي توضح العلاقة القوية بين عناصر البيئة المحلية وطبوغرافيتها. ولكن مع تطور الزراعة في القرن العشرين واستخدام وسائل السحب الحديثة حدث خلل في التوازن بين ما يترشح إلى الطبقات الحاملة للمياه وبين ما يسحب منها للاستخدامات الزراعية وغير الزراعية، مما شكل بداية معاناة المدينة المنورة من شح المياه الصالحة للاستخدام الآدمي منذ السبعينات. وهذا يعني أن الخصائص الحضارية لامست وتفاعلت مع الخصائص الطبيعية في المنطقة.
     وكانت مياه الأمطار تجري في الوديان فتغذي الطبقات الحاملة للمياه على طول مجاريها الجنوبية والشمالية،ويخترق بعضها المدينة، فيغير قليلاً من مورفولوجيتها -ولو لبعض الوقت- مما يشكل متنفساً ترفيهياً رائعاً لسكان المدينة. ونظرا لانسداد بعض المجاري المائية نتيجة عمل الإنسان وعدم وجود الجسور فقد كانت هذه السيول كثيراً ما تسبب عزلة بعض الأحياء السكنية أو غرقها بالمياه، كما حصل لمنطقة جنوب قباء فيما يسمى بمنطقة كبري المدرج رقم(2)، ولحي المشرفية في سنة 1377هـ (1957م) نتيجة لفيضان وادي بطحان. كما أن تجمع المياه في برك وأحواض صغيرة بعد توقف جريان الوادي كثيراً ما يؤدي إلى انتشار الأمراض التي تنقلها الحشرات التي تقتات على هذه البرك. ولكن بناء السدود على مجاري الأودية الرئيسية مثل سد وادي العاقول سنة 1375هـ (955م)، وسد وادي العقيق،وسد وادي بطحان في سنة 1386هـ(1966م) أوقف خطر دخول المياه إلى داخل المدينة،ولكنه أدى إلى جفاف الآبار والعيون داخل المدينة، وفي الأجزاء الشمالية منها، مما أدى إلى تدهور مساحات زراعية وغابية هامة في منطقة العيون والخليل، وتحولها تدريجياً إلى مناطق عمرانية أو شاغرة كما سنرى لاحقاً. وفي الوقت نفسه فقد حققت هذه السدود فوائد صحية كبيرة بنقل تجمعات المياه إلى خارج المنطقة السكنية المعمورة، ومع أن ذلك لم يمنع نشاط فرق مكافحة البعوض الذي قد ينقل الأمراض من مثل هذه التجمعات المائية. ولكن مع تزايد أعداد السكان أصبحت هذه الموارد غير كافية لتلبية حاجتهم من مياه الشرب أو الري، مما أدى إلى البحث عن مصادر جديدة تمثلت في جلب الماء من شرق منطقة قباء في حرة رهط،ومن بئر الماشي جنوب غرب المدينة على بعد نحو 20كم، بالإضافة إلى جلب مياه البحر المحلاة من ينبع. وقد انتهت حتى الآن مرحلتان من مشاريع التحلية في سنة 1410هـ(1980) و1420هـ(1999م)، جلبت نحو 20 مليون جالون من المياه، و 25 ميجاوات من الكهرباء للمدينة في بداية المرحلة الأولى، ونحو 91 مليون جالون من المياه و 35 ميجاوات من الكهرباء في اليوم في المرحلة الثانية(الرويثي،محمد أحمد،جوانب من الشخصية الجغرافية للمدينة المنورة،ص95؛ المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة،مشروع محطتي التحلية،ص1). وإذا عرفنا تزايد كميات استهلاك المياه في المدينة المنورة بنسبة 1900% حيث ازدادت من نحو 12500م3 في اليوم في سنة 1393هـ إلى 250000م3 في اليوم في سنة 1420هـ لعرفنا مقدار الضغط على موارد المياه ومقدار الجهد اللازم لتوفير وتوزيع هذه الكميات الضخمة من المياه(مصلحة المياه والصرف الصحي بمنطقة المدينة المنورة،ص ص1،3).
      لقد أدت هذه الخصائص المناخية مع الخصائص الطبوغرافية إلى بقاء الوحدة العضوية للتركيب العمراني للمدينة منذ نشأتها، وزاد من هذا التلاحم العامل الأمني الذي أدى إلى بناء الأسوار، مما حافظ على المظهر العام للمدينة المنورة لقرون عديدة في شكل شبه بيضاوي تمتد أكبر محاوره من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي(شكل رقم2). وقد بنى أول سور للمدينة المنورة إسحق بن محمد الجعدي في عام 263هـ (876-877م) من قبل الخليفة العباسي المعتضد بالله. وقد رمم ووسع هذا السور عدة مرات كان أهمها البناء الضخم في عهد السلطان سليم العثماني (937-948هـ)، وقد بلغ طوله نحو 4000ذراع(حافظ،علي،فصول من تاريخ المدينة المنورة،ص ص35،37-38). وقد أزيل هذا السور في العهد السعودي خلال فترة التوسعة السعودية الأولى للمسجد النبوي الشريف    (1370-1375هـ/1950-1955م)، وأزيلت بقاياه خلال التوسعة السعودية الأخيرة للمسجد النبوي الشريف (1405-1413هـ/1985-1993م).
      وقد كان النمط المعماري للبناء خلال هذه القرون بين بناء السور الأول وهدم السور الأخير متقاربا تظهر فيه نماذج معمارية تمثل الطراز العمراني العربي المبكر،والطراز الأموي،والطراز العباسي، والطراز الفارسي-التركي،والطراز المملوكي، والطراز العثماني، والطراز الهندي ولكن بتناسق كبير نتيجة استخدام مواد بناء محلية متجانسة تتمثل في الحجر والطين. واستخدم المخطط والمعماري خصائص المكان بمهارة فائقة ظهرت بجلاء في تركيب المسكن، وتوزيع الغرف، وتصميم واجهات المباني وتوجيهها. فنتيجة لظهور النواة الأولى للمدينة في منطقة منبسطة كان من البديهي أن يظهر نظام الفناء الذي تحيط به الغرف-ولو أنه ليس بشكل واسع-، مما يساعد على سهولة دوران الهواء وتلطيف الجو.
       وقد نجد في مساكن الأثرياء مظاهر أخرى مضافة للفناء، مثل البئر أو النافورة، أو بعض الشجيرات التي تزيد من تلطيف الجو الذي يتميز بسيادة المناخ الحار والجاف. كما عمد البناؤون إلى مراعاة العادات والتقاليد الاجتماعية بتطبيق المداخل المنكسرة للمباني حتى تعطي خصوصية أكبر لمن بداخل المسكن من الأعين الفضولية خارج المبنى. وغالباً ما توزع غرف استقبال الضيوف أو المجالس في مقدمة المسكن، وغرف النوم والطبخ والخزن في خلفية المسكن.
     ولا نجد في المدينة القديمة دورة مياه تواجه القبلة أي ناحية الجنوب تطبيقاً للحديث الشريف الذي رواه البخاري والترمذي عن أبي أيوب الأنصاري:]إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا..[الحديث(آل الشيخ،صالح بن عبد العزيز،موسوعة الحديث الشريف،ص ص15،34،1630). ويعني ذلك تأثير جوانب العقيدة في توجيه الاستخدامات داخل المباني الإسلامية. وللأسف فإننا لا نجد تطبيق هذه القاعدة اليوم في كثير من المدن الإسلامية. 
     ولسيادة الرياح الجنوبية الغربية والشمالية الغربية في المدينة فغالباً ما نجد الشوارع في المدينة القديمة تتخذ الاتجاهات الشرقية الغربية حتى تجعل المباني تواجه الواجهات الشمالية والجنوبية، مما يزيد من كسر قوة الرياح، ويسمح باستقبال الرياح الشمالية التي تلطف الجو، خاصة في أشهر اعتدال الحرارة نوعاً ما وفي الصباح الباكر(شكل رقم3). وتميزت الشوارع بين الأبنية بعدم الاتساع (تتراوح بين 5, 1-4م) لتحقيق فوائد عديدة أهمها توفير الظل، وكسر قوة الرياح، وتوفير المكان للنمو الحضري داخل الأسوار. ومما ساعد على هذا النمو اختلاف ارتفاعات المباني التي كانت تتراوح في الغالب بين 2-4 أدوار، وكذلك يقل عرض المبنى عن طوله(عمقه إلى الداخل)، وذلك بهدف تعريض أقل مسطح من المباني للشمس(طه،حاتم عمر،ملامح من فن العمارة في المدينة المنورة،ص64). 
     ومع مرور الزمن تطورت واجهات المباني فأصبحت تسود النوافذ الخشبية الواسعة البارزة وغير البارزة (المشربية والروشان) التي تسمح بدخول الهواء والضوء مع حجب الرؤية عن ما يوجد داخل الغرفة من قبل المارة في الطريق والممرات بين المساكن، وتقلل من وصول أشعة الشمس والأتربة إلى داخل المبنى. وغالباً ما نجد البنائين يحاولون ألا تكون النوافذ متقابلة تماماً بين المساكن المتقابلة، وإنما تنزاح إلى جوانب نوافذ الجار حتى توفر قدراً أكبر من الخصوصية بين الجيران،ولا تمنع الاتصال كذلك بين نساء الجيران في وقت خروج الرجال إلى أعمالهم. ومن أبرز هذه الشوارع شارع الساحة شمال غربي المسجد النبوي الشريف(صورة رقم4). ويتفرع من هذه الشوارع ما يسمى بالأحوشة أو ما يمكن أن يطلق عليه-بمصطلح العصر-بالمجاورات، وهي أحياء سكنية غير نافذة في أغلب الأحيان. 
                     صورة رقم(4):واجهات المباني القديمة وتعاوها الرواشين والمشربيات.

     وتميزت المدينة بظاهرة فريدة جعلتها تختلف عن كثير من المدن القديمة إسلامية كانت أو غير إسلامية. فمن المعتاد أن يوجد السوق المركزي في قلب المدينة القديمة حول المسجد الجامع أو مكتب الحاكم، ولكننا نجد في المدينة المنورة قيام الأسواق خارج المدينة القديمة حول ما يعرف اليوم بمسجد الغمامة (مصلى العيد). ولعل هذا الاختلاف يؤكد ما ذهب إليه بعض الباحثين من أن العامل الديني كان أقوى عوامل ظهور الحياة المدنية،ويؤكد ذلك أن كثير من المدن القديمة لا يوجد السوق المركزي داخلها(Bookchin,M.,The Rise of Urbanization and the Decline of Citizenship,pp.21-22 ) وكانت الأسواق في المدينة المنورة مؤقتة تخلو من المباني حتى عهد هشام بن عبد الملك الذي أقام أول مبان في السوق خلال فترة حكمه(724-743هـ). ولعل مرد ذلك ما ورد من أحاديث حول فضل العبادة في المساجد على قضاء الوقت في الأسواق،وذم تضييق السوق على المسلمين، والبناء حتماً سيؤدي إلى استقطاع جزء من مساحة السوق. فقد جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول اللهe قال:]أحب البلاد إلى الله تعالى مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها[([3]) (آل الشيخ، صالح بن عبد العزيز،موسوعة الحديث الشريف،حديث رقم1528،ص782).كما روى عمر ابن شبة عن عطاء بن يسار حديثاً في إسناده ضعف،قال: لما أراد رسول اللهe أن يجعل للمدينة سوقاً أتى سوق بني قينقاع، ثم جاء سوق المدينة فضربه برجله وقال:]هذا سوقكم فلا يضيق ولا يؤخذ فيه خراج[ (ابن شبة،أبي زيد عمر،كتاب تاريخ المدينة المنورة،ج1،حديث رقم662،ص183). ونقل السمهودي عن ابن شبة وابن زبالة أن رسول اللهe تصدق على المسلمين بأسواقهم،واستمر المنع بصرامة عن البناء في السوق،خاصة في عهد عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز، حتى أحدث إبراهيم بن هشام في عهد هشام بن عبد الملك الدور الشوارع في السوق(السمهودي،نور الدين،وفاء الوفاء،ج2،ص ص747، 749). 
      ومع السبعينات من القرن 14هـ(الخمسينات من القرن20م) حدث في المدينة نمو سريع نتيجة تفاعل عدة متغيرات تمثلت في العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والطبيعية. فالنمو العمراني تضمن النمو السكاني، والتوسع المكاني للمناطق المبنية ونظام ملكية الأرض وتغيير النشاطات الاقتصادية. ومع هذه التغيرات هدمت أسوار المدينة، فانفرط عقد التجمع الذي عرفت به المدينة، وخرجت من عقالها، وتوسعت في كل الاتجاهات،خاصة الاتجاهات الشمالية والشمالية الشرقية على طول طريقي أبي بكر الصديق (سلطانة) والمطار. وأدى النمو السكاني إلى زيادة الطلب على الإسكان المنخفض التكلفة، وعلى العديد من الخدمات مثل تمويل الماء والكهرباء والتخلص من النفايات([4]). وقد أدى ذلك إلى التوسع في بناء أنواع مختلفة من المساكن،وظهرت بعض المباني غير القانونية التي امتدت خارج المدينة على المناطق التي كانت في السابق تحد من النمو. ونتيجة للفجوة بين نمو الطلب على المباني السكنية داخل البيئة الحضرية وبين إمكانات العرض المحلية حدث اختلال في العلاقة بين الاستيطان البشري والبيئة حيث كثر التعدي على جميع الأراضي التي يمكن البناء عليها، سواء كانت زراعية، أو في مجاري الوديان، أو في الحرات. وأصبحت الأراضي الحافية التي تشكل منطقة اتصال بين المركز والمناطق الزراعية مركبة من استخدامات متنوعة للأرض الزراعية والسكنية والتجارية والصناعية والخدمية. وأظهرت الاستخدامات الأخيرة تحدياً للاستخدامات الزراعية إذ تفوقت قيم الأرض لتلك الاستخدامات على الاستخدام الزراعي. وبذلك بدأ المخططون والمعماريون في المدينة يتخلون عن النمط السابق المتجمع،وبدأت مشاريع توسعة الشوارع القديمة (ليصل عرض بعضها إلى60-80م)، وبناء طرق جديدة لمرور السيارات السريعة،وبناء المساكن في كل الاتجاهات،وأخذ يتسع استخدام النوافذ الزجاجية،وتتعدد الأدوار إلى ارتفاعات لم تعهدها المدينة من قبل، وتسود أنماط جديدة من الوحدات السكنيةالمتمثلة في الشقق التي تتميز بصغر حجمها وتوجهها الخارجي، مما قضى على نظام الفناء الداخلي للمساكن، وظهر بدلاً عنها الفناء الخارجي المحيط بالمسكن، والذي يخلو في الغالب من أي استخدام مفيد فعلاً لسكان هذه المباني. وقد خططت هذه الأفنية الخارجية بطرق تمكن من احتوائها على شجيرات تقلل من درجات الحرارة حول هذه المساكن،ولكن نظرا لتعدد الوحدات السكنية الصغيرة في المبنى وشح المياه أصبح من الصعب في كثير من الأحيان إيجاد من يهتم بهذه الشجيرات فتتحول بعض هذه الأفنية إلى فراغات شاغرة قد تصبح مأوى للنفايات والقاذورات.
     وأقيمت أحياء جديدة في مناطق الحرات التي كانت مناطق طاردة للسكان، فأصبحت في البداية مكاناً لإيواء محدودي الدخل حيث نمت الأحياء العشوائية في الحرة الغربية من المدينة. فبنيت المساكن دون سندات استحكام وإنما تحت طائلة قاعدة إحياء الأرض الموات. وقد أدى هذا النمو العشوائي غير المخطط إلى آثار سلبية واضحة على البيئة المحلية واستغلال الموارد الوطنية بشكل عام.فقد بنيت أحياء سكنية كثيفة دون تنظيم مناسب لمرور الخدمات وتوفير البيئة الصحية المناسبة للسكان، حتى أن بعض المساكن لا يمكن الوصول إليها إلا مشياً على الأقدام. كما أن نقص المساحات الفضاء أدى إلى نقص أماكن الترويح للسكان ونقص المحلات التجارية،مما كان يعني ضرورة الانتقال لمسافات أكبر من سكان الأحياء الأخري للحصول على احتياجاتهم اليومية، ولو أن ذلك التقارب مكن من استمرار الترابط الاجتماعي بين السكان الذين غالباً ما يكونون من أسر ذات قرابة عائلية أو قبلية. ولا شك أن معالجة هذه الإشكاليات تتطلب أموالاً طائلة من خزينة الدولة لإعادة تخطيط هذه المناطق وتطويرها، مما حدا باستشاري التطوير إلى تبني سياسة خلخلة النسيج العمراني في المنطقة، مما تطلب تكاليف إضافية كان بالإمكان توفيرها لو خططت المنطقة منذ البداية(شكل رقم4). ولمقابلة هذه التحديات دخل التخطيط الحديث إلى الحرة الشرقية حيث وضعت المخططات لتستوعب أعداداً متزايدة من سكان المدينة،خاصة أولئك الذين نقلوا من مركز المدينة نتيجة أعمال توسعة المسجد النبوي الشريف وتطوير المنطقة المركزية.   
      وبدأت تظهر أنماط جديدة من المباني في المدينة المنورة،ويمكن تقسيم مباني المدينة بعد هدم كامل المدينة القديمة في التوسعة الفهدية الأخيرة للمسجد النبوي الشريف إلى الفئات الآتية:
1-    البيت العربي التقليدي: اختفى هذا النمط من المدينة القديمة،وظهرت مبانٍ جديدة تحاكي هذا النمط بشيء من التشويه في أحياء محدودي الدخل على أطراف المدينة، كما هو الحال مثلاً في الأحياء الغربية من المدينة.  
2-      مساكن انتقالية: تأخذ هذه المباني شيئاً من النمط التقليدي والنمط الحديث فيبنى الدور الأول بالحجر أو الآجر، وتبنى الأدوار المتكررة بالأسمنت مع استخدام الأسقف الخشبية والتوزيعات التقليدية للفراغات داخل المبنى(صورة رقم5). 

                  صورة رقم(5): المساكن الانتقالية(تصميم ومواد بناء مختلطة).

3-     مباني الشقق: تطلق موسوعة بريتانيكا اسم العمارة العلمانية على هذا النـوع من المبانـي (Encyclopaedia Britannica Co. Ltd., Encyclopaedia Britannica,Vol.17, p.652)، والتي تتميز بالوحدات الصغيرة المتعددة في المبنى الواحد. ويتراوح عدد الغرف في الشقة الواحدة بين 2-4 غرف. وقد بدأت تظهر في العشر سنوات الأخيرة بعض الشقق الكبيرة الحجم في الأحياء الخارجية،يصل عدد الغرف فيها إلى 6 أو 7 غرف.
4-     مباني الفلل والقصور: تتميز هذه المباني بالانفصالية والمساحات الكبيرة والكثرة في مناطق ذوي الدخل المرتفع،وبتوفر مساحات أكبر للزراعة خارج المبنى. وفي الآونة الأخيرة بدأت تظهر بعض الفلل والقصور التي بدأت في العودة إلى النمط المعماري التقليدي، وذلك بإنشاء الفناء الداخلي. وتوجد مثل هذه الوحدات في أحياء النسيم والخالدية وغيرها.
     وتعتبر هذهالأنماط سجلاً يعكس نمط العمارة السائد في المدينة على مر السنين. ويمكن هذا السجل من المقارنة بين خصائص مكونات هذه الأنماط. فمثلاً نجد أن الأنماط التقليدية والانتقالية لم تزل تستخدم التصاميم والمواد التقليدية، مما يعني استمرار المحافظة على عناصر العمارة الأصيلة في المدينة. أما مباني الشقق والفلل فقد بدأت تدخل عليها عناصر جديدة بعضها مفيد وبعضها الآخر لا يتلاءم مع الخصائص الطبيعية والحضارية للمنطقة. فمثلاً نلاحظ تحول توجه هذه المساكن للخارج، وضعف الوظيفة الاجتماعية للداخل والتي كانت تؤديها المساكن التقليدية.
     وهناك تحول جذري آخر في استخدام مواد البناء إذ أصبحت تسود المواد الاسمنتية والخرسانة المسلحة،وهذه المواد قد توفر الانسجام والتناسق في سطوح جدران وأرضيات الوحدات السكنية، ولكنها من جهة أخرى تمتص الحرارة ولا يمكن للإنسان العيش داخلها إلا باستخدام وسائل تكييف اصطناعية تقلل من درجات الحرارة. وبالرغم من استخدام وسائل عزل حديثة للأسطح والجدران إلا أن هذه المواد لا تزال تستهلك طاقة أكبر من المساكن التقليدية. فنجد مثلاً أن معدل قيمة فاتورة استهلاك الكهرباء في البيت التقليدي في أشهر الصيف يصل إلى نحو 70 ريالاً، بينما يرتفع في الفلل التي تستخدم التكييف المركزي إلى 345 ريالاً.
     كما أن استخدام النوافذ الزجاجية الواسعة عزز من زيادة صرف الطاقة،وقلل من الخصوصية داخل المبنى لأن فتح النوافذ يؤدي إلى نفاذ العين الخارجية بسهولة إلى داخل المنزل، بالإضافة إلى تسرب الأتربة وأشعة الشمس إلى داخل المسكن. وحتى مع استخدام الزجاج العاكس فإن ذلك يؤدي بعض الغرض خلال ساعات النهار، ولكنه لا يقوم بالدور نفسه خلال ساعات المساء، مما يعني الحاجة إلى مصاريف إضافية لتغطية هذه النوافذ في المساء(صورة رقم6). 
صورة رقم(6أ): واجهات المباني الزجاجية تزداد اتساعاً.
       وقد أدرك الإنسان هذه المساويء، ولذلك بدأ بعض مستخدمي هذه الوحدات السكنية الحديثة بتغطيتها بنوافذ خشبية على نمط المشربيات لتوفير الخصوصية وتمكين فتح النوافذ الزجاجية لتسمح للضوء والهواء بالنفاذ إلى داخل المسكن(صورة رقم7). ولكن هذه الإضافات مكلفة، مما يعني عبئاً اقتصادياً على المستخدم، الأمر الذي قد لا يتحمله إلا أصحاب الدخل المتوسط والمرتفع.

صورة رقم6ب):النوافذ الزجاجية في المباني الحديثة تزداد لتساعاً. 
صورة رقم(7):رواشن خشبية تغطي النوافذ الزجاجية.
      ومع امتداد النمو العمراني أصبحت الخدمات السابقة قاصرة عن تلبية حاجة السكان. فالمدينة المنورة كانت تعتمد على الآبار الخاصة والعيون، وقنوات العين الزرقاء التي مدت في عهد معاوية بن أبي سفيان (41-64هـ/661-683م) لتزويد سكان المدينة المنورة بمياه الشرب والري. ولم تكن هذه القنوات تصل إلى كل مسكن،وإنما كانت لها نقاط توزيع رئيسية في مناطق محددة داخل المدينة، وينساب الفائض منها إلى شماليها حيث مجمع الأسيال. ومع التوسع الحضري، وبناء السدود، وبناء الطرق والأنفاق تحولت بعض الأرض الزراعية إلى استخدامات سكنية وصناعية وخدمية، مما أثر على النظام الطبيعي لقنوات المياه الباطنية، وبالتالي توقف انسياب المياه في العديد من العيون، وجفاف بعض الآبار أو زيادة نسبة الملوحة في بعضها الآخر. وقد قدر علي حافظ عدد العيون والخيوف في المدينة بأربع وأربعين عينا وخيفا، توقف عدد كبير منها بعد سنة 1355هـ، وكان آخرها توقفاً في سنة 1385هـ (حافظ، علي، فصول من تاريخ المدينة المنورة،ص ص293-297).
     ومع جفاف الكثير من هذه العيون والآبار مدت شبكات من الحديد الزهر والمعدن المقاوم للصدأ لتوفير ماء الشرب للسكان،ودخلت هذه الشبكة إلى داخل المساكن،كما مدت شبكة للصرف الصحي انتهت في شمالي جبل أحد بمسافة لا تزيد عن نحو 1كم. ويرجع تاريخ شبكة الصرف الصحي في المدينة المنورة إلى فترات قديمة عندما كانت هناك مراكز تسمى "الخرزات" لتصريف المياه الفائضة في قنوات العين الزرقاء(مرفق تزويد المدينة المنورة بمياه الشرب). وتتجمع هذه المياه في قنوات تصريف تسمى "دبول" تبدأ من خرزة المناخة في منطقة باب الشامي،وتتجه شمالاً لتصب في مجمع للصرف الصحي في المنطقة المسماة بالبركة. وتتجمع مياه الصرف الصحي من جميع مراكز التغذية في قناة التصريف الرئيسية "الدبل" التي تتكون من جدارين من الحجر يفصل بينهما نحو 60سم-3م،ويتراوح عمقها بين 1 و 3م من سطح الأرض. وقد كان يهتم بهذه القنوات وينظم شؤونها مرفق الصرف الصحي الذي كان يتبع إدارة المرافق العامة بوزارة الشؤون البلدية والقروية حتى ضم مرفقي العين الزرقاء والصرف الصحي في مصلحة واحدة هي:"مصلحة المياه والصرف الصحي بالمدينة المنورة" في شهر رجب من سنة 1398هـ، ثم وسعت صلاحياتها في سنة 1421هـ لتشمل منطقة المدينة المنورة. وقد تم استبدال هذه القنوات والخرزات على مشاريع الصرف الصحي الحديثة -التي بدأت مرحلتها الأولى (1384-1395هـ) في عهد الملك فيصل رحمه الله- بأنابيب من الفخار المزجج أو الخرسانة المسلحة المبطنة برقائق من كلوريد البولي فينيل. ومرت هذه الشبكة بثلاث مراحل للتطوير كان نتيجتها بناء 1600كم من شبكات الصرف الصحي الرئيسية والفرعية،24 محطة رفع من المناطق المنخفضة،ومحطتي تنقية بطاقة 120000م3 يومياً، والعمل جار في توسعتها لتستوعب 300000م3 يومياً. وتعني هذه الأرقام أن المدينة تعاني حالياً من مشكلة صرف صحي،وبعد انتهاء أعمال التوسعة يؤمل أن يحدث التوازن بين المياه المستهلكة والمعالجة في محطات الصرف الصحي.
     ورغم أهمية وفائدة هذه الشبكة في تنظيم الصرف الصحي وإبعاد أخطار الصرف داخل أو جوار الوحدات السكنية إلا أن اختيار موقع محطة تجميع ومعالجة مياه الصرف الصحي لم تكن موفقة،فقد أدت إلى انتشار الروائح الكريهة في المنطقة المحيطة بجبل أحد،خاصة في مناطق العيون والخليل والجُرْف،مما أدى إلى تدهور أسعار الأراضي هناك([5])، ودخول استخدامات غير مرغوبة داخل المدينة مثل حراج المواد المستعملة وسوق الغنم والماشية، مما يعني التأثير في نمط استخدام الأرض نتيجة لهذه التغيرات. وكان الأولى بجبل أحد الذي أحبه رسول اللهe أن ينزه عن مثل هذه الاستخدامات التي كان بالإمكان إبعادها إلى الشمال أكثر في جهات وادي النقمي، أو كما كان الحال سابقاً في منطقة البركة.
     واتجهت المخططات الجديدة إلى السماح ببناء المباني الأكثر ارتفاعاً على المحيط الخارجي للمناطق السكنية الحديثة التي تطل على شوارع رئيسية تفصل الأحياء عن بعضها البعض، ولكن سرعان ما تتحول الأدوار الأرضية وربما الأولى الواقعة على واجهات هذه المباني إلى محلات تجارية وخدمية على جانبي هذه الشوارع المحيطة بالمنطقة، الأمر الذي يؤدي إلى تحول هذه الشوارع من كونها حدودا فاصلة بين المناطق السكنية إلى محاور تؤدي إلى تركز الحركة، وتحول الشوارع إلى محاور للخدمات للمناطق المتجاورة وربما للمرور العابر، وتحول جوانب الشوارع إلى مواقف للسيارات، مما يؤدي إلى خلل في وظيفة الشارع التي صمم من أجلها. ومن جراء ذلك قد تفقد منطقة الخدمات المركزية في كل حي وظيفتها وتقل الحركة والمرتادون لهذه المراكز،على عكس المناطق الهامشية التي ترتفع فيها أسعار الأراضي والعقارات، وبذلك تنقلب المعايير التخطيطية نتيجة سوء التنفيذ والتطبيق.
     ولعله من الخطأ تطبيق النموذج الغربي في التنمية الحضرية على المدن القديمة لسيادة عناصر الكتل الخرسانية المسلحة،والسيارات، والأماكن الخضراء أو المفتوحة داخل المدينة، مثل الحدائق والساحات العامة التي تحاكي الطبيعة في هذا النموذج. أما المناطق الزراعية التي تعتبر مناطق هامة لتمويل المدن بالغذاء فقد أصبحت في هذا النموذج متعارضة مع نمط الحياة الحضرية المثالية لما تسببه من مخلفات تزيد من مشكلة التخلص من نفايات المناطق الحضرية،خاصة إذا اشتملت المزارع على حظائر لتربية الحيوانات، ولهذا تمنع الأمانة تربية الحيوانات داخل المناطق السكنية، خاصة إذا تضرر الجيران من الروائح المنبعثة منها. ولهذا كان لابد من العمل على تعديل النظام الزراعي التقليدي ليستجيب لاحتياجات سكان المدينة، وكذلك تبني مشاريع تدوير تستخدم نفايات المدن والمزارع كمصدر لتغذية التربة والحيوان أو النبات. وقد أخذت مثل هذه المشاريع تنتشر في العالم للتخلص من النفايات بطريقة عضوية تخرج عددا من المنتجات الثانوية مثل صنع السماد وتوفير الطاقة،بالإضافة إلى التخلص من النفايات الصلبة للتغلب على المشاكل الناتجة من تراكم نفايات المدن(يوسف،درويش إبراهيم، مدن تحل أزماتها البيئية،المدينة العربية،ص23). ولا شك أن مثل هذه المشاريع ستوفر فرصا وظيفية لسكان المدن والريف، مما يدعم استقرار السكان، ويقلل من بواعث الهجرة إلى مركز المدينة،كما أنها يمكن أن توفر نشاطات اقتصادية تدعم الدخل المحلي والوطني بتشجيع قيام مشاريع توليد الطاقة من النفايات التي يفكر فيها العالم للتحول من استخدام المواد الأحفورية غير المتجددة إلى الموارد الطبيعية المتجددة. وكما أشار بوكشنBookchin إلى الحاجة إلى إدراك أهمية العلاقات الاجتماعية والأيكولوجية التي توجد داخل المدن والتي تتعدى العمليـات الاقتصادية في الإنتاج والاستهــلاك (Bookchin,M., The Riseof Urbanization  and Decline of Citizenship, p.x).

الأهمية الدينية لقلب المدينة المنورة:
     يمثل المسجد النبوي الشريف القلب النابض للمدينة المنورة، بل يمتد أثره إلى العالم الإسلامي، إذ يفد إليه سنوياً مئات الآلاف من الحجاج والزوار للصلاة فيه والسلام على رسول اللهe. فهنا ظهر أهم مظهر حضاري للعالم الإسلامي ببناء المسجد النبوي الشريف في السنة الأولى بعد الهجرة من مكة إلى المدينة. وعلى غرار هذا المسجد بنيت المساجد في مختلف أمصار العالم الإسلامي مثل مساجد البصرة والكوفة والفسطاط ودمشق والقيروان وغيرها.
     وقد نقل الزركشي عن الزهري قوله:بركت ناقة رسول اللهe عند موضع مسجده، وهو يومئذ يصلي فيه رجال من المسلمين، وكان مربداً لسهل وسهيل غلامين يتيمين من الأنصار وكان فيه شجر ونخل وقبور للمشركين (الزركشي،محمد بن عبد الله،إعلام الساجد بأحكام المساجد، ص 223). فابتاع رسول اللهe المربد (وهو الموضع الذي يجعل فيه التمر والزرع للتيبس)، وقطع الشجر، ونبش القبور، ونقل بقاياها إلى مكان آخر، وبنى مسجده من اللبن، وقيل من الحجارة، ومساكن زوجاته خلال نحو سبعة أشهر قضاها في ضيافة أبي أيوب الأنصاري(السمهودي،نور الدين،وفاء الوفاء،ج1، ص ص265-266).
      وقد بنى الرسولe مسجده 70 ذراعاً في 63 ذراعاً(35x 32م)،وبنيت جدرانه الأربعة باللبن، وسقف جزء منه بسعف النخيل،وترك الجزء الآخر مكشوفاً، وجعلت عمد المسجد من جذوع النخيل. ولم يتغير هذا النمط إلا في عهد عثمانt حيث زاد فيه زيادة كبيرة،وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصة، وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج(البخاري،أبو عبد الله محمد بن إسماعيل،صحيح البخاري،حديث رقم446،ص107).وكان للمسجد ثلاثة أبواب:باب جبريل وباب النساء وباب الرحمة،وجعل قبلته إلى بيت المقدس(الشمال)، ثم حولت القبلة بأمر من الله سبحانه وتعالى في السنة الثانية من الهجرة. وخط رسول اللهe الخطط للأرض حول المسجد النبوي الشريف، وسمح للفقراء بالإقامة في مؤخرة المسجد في المكان الذي يعرف بالصفة. وتعني هذه الخطوات أن الرسولe أرسى الوظائف الأساسية للمكان بإعادة صياغتها بما يتناسب مع الدين الجديد،ووضع التصميم المناسب لعمارة المباني حسب وظائفها، ونظم طريقة البناء في العمارة الجديدة، واستعمل المواد   المناسبة للبيئة المحلية.
     وقد وصف السمهودي طريقة بناء حوائط المسجد النبوي حيث بناه الرسولe ثلاث مرات: الأولى بالسميط، وهي لبنة على لبنة،والثانية بالسعيدة، وهي لبنة ونصف في عرض الحائط، والثالثة بالأنثى والذكر، وهي لبنتان تعرض عليهما لبنة(السمهودي،نور الدين،وفاء الوفاء،ج1، ص 335). ويدل هذا على وضع أساس المرونة في البناء والتطوير حسب الحاجة عند ما اتسع المسجد وأصبح يحتاج إلى أساليب تقوي من عمارة المسجد وتسهل من أداء وظيفته بيسر وأمان.
      ولعل بناء مساكن زوجات الرسولe ملاصقة للمسجد من الجهة الشرقية، ثم من الجهة الشمالية دليل على أهمية ارتباط دار الحكم بالمسجد، والتي أصبحت قاعدة في تخطيط المدن الإسلامية كما تم في حواضر الكوفة والفسطاط وغيرها من مدن الإسلام. وسمح الرسولe ببناء المساجد في خطط المدينة القديمة والجديدة، مما أرسى قواعد المجاورة السكنية للأعمال المحلية وربطها بالقلب حيث يمارس في هذه المساجد أداء الصلوات الخمس،ويأتي المسلمون إلى المسجد النبوي لأداء صلاة الجمعة، مما أرسى معايير تصنيف المساجد إلى مساجد عادية ومساجد جمعة.
     ويتصف جميع البناء للمسجد والدور حوله بالبساطة، وسهولة أداء الوظيفة، وتوافر الخصوصية، والتوافق مع ظروف البيئة. وقد نقل محمد عزب ما أوجزه ابن قيم الجوزية من استنباط الهدي النبوي في شروط المسكن:"فلم يكن من هديه وهدي أصحابه ومن تبعه الاعتناء بالمساكن وتشييدها وتعليتها وزخرفتها وتوسيعها،بل كانت من أحسن منازل المسافر تقي الحر والبرد،وتستر من العيون،وتمنع من ولوج الدواب،ولا يخاف سقوطها لفرط ثقلها،ولا تعشش فيها الهوام لسعتها، ولا تعتور عليها الأهوية والرياح المؤذية لارتفاعها،وليس تحت الأرض فتؤذي ساكنها،ولا في غاية الارتفاع عليها،بل وسط،وتلك أعدل المساكن وأقلها حراً وبرداً،ولا تضيق على ساكنها فينحصر،ولا تفضل عنه بغير منفعة ولا فائدة فتأوي الهوام في خلوها، ولم يكن فيها كنف تؤذي ساكنها برائحتها،بل رائحتها من أطيب الروائح، لأنه كان يحب الطيب،ولم يكن في الدار كنيف تظهر رائحته،ولا ريب أن هذه من أعدل المساكن وأنفعها وأوفقها للبدن وحفظ صحته(ابن قيم الجوزية،أبي عبد الله،زاد المعاد،ج4،ص ص 328،329؛ عزب،خالد محمد،المدينة المنورة:العمارة النبوية،ص ص58-59). 
     وقد استمرت المنطقة المركزية في المدينة المنورة بمسجدها ومساكنها وأسواقها تحقق هذه الشروط لقرون عديدة من البساطة والتوافق مع ظروف البيئة وتوفير الخصوصية، وتمنع من انتشار الهوام، ومقاومة الرياح الشديدة السرعة أو المحملة بالأتربة، مع الاقتصاد في المكان بالتلاحم وعدم ترك فراغات غير مستخدمة أو مفيدة للمستخدمين من المصلين والمقيمين والعابرين.
     وتوالت التوسعات على المسجد النبوي الشريف من القرن الأول حتى القرن الخامس عشر الهجريين (السابع-20 الميلاديين). ولعل أضخم هذه التوسعات هي التوسعة السعودية الأخيرة(جدول رقم1).فقد أضيف للمساحة الأرضية إمكانية الاستفادة من سطح التوسعة(حوالي 7000م2)، 
   جدول رقم(1):توسعات المسجد النبوي الشريف.
التوسعة
التاريخ
المساحة
المساحة الإجمالية
البناء الأول في عهد الرسولe
2هـ/624م
1060م2
1060م2
التوسعة الأولى في عهد النبيe
7هـ/628م
1415م2
2475م2
توسعة عمر بن الخطابt
17هـ/638م
1100م2
3575م2
توسعة عثمان بن عفانt
29-30هـ/649-650م
496م2
4071م2
توسعة الوليد بن عبد الملك
88-91هـ/707-710م
2369م2
6440م2
توسعة المهدي
158-169هـ/775-785م
2450م2
8890م2

توسعة الأشرف قايتباي

879-880هـ/1475-1476
120م2
9010م2

توسعة السلطان عبد المجيد العثماني

1255-1277هـ/1839-1861م
1293م2
10303
توسعة الملك عبد العزيز آل سعود
1370-1375هـ/1951-1955م
6024م2
16327م2
توسعة الملك فيصل آل سعود
1395هـ/1975م
35000م2 بنيت على شكل مظلات
51327م2 دمجت هذه التوسعات
توسعة الملك خالد آل سعود
1397هـ/1977م
43000م2    خارج المسجد
94327م2   في التوسعة الأخيرة
توسعة الملك فهد آل سعود
1405-1414هـ/1985-1994م
82000م2
98327م2    الأخيرة
المصادر: 1- الخياري،أحمد ياسين،تاريخ معالم المدينة المنورة قديماً وحديثاً،ص79.
           2- الأنصاري،ناجي محمد حسن،عمارة وتوسعة المسجد النبوي الشريف عبر التاريخ،ص  ص 92، 97،111.
والساحات المحيطة بالمسجد النبوي(235000م2) للصلاة، مما رفع الطاقة الاستيعابية للمسجد إلى 700000 مصل، وقد تصل هذه الطاقة إلى مليون مصلٍ في أوقات الذروة، مثل أشهر رمضان والحج. وظهرت في هذه التوسعات أنماط معمارية جديدة مثل المحراب والمئذنة اللتين أحدثهما عمر بن عبد العزيز في عمارة الوليد،الذي جعل للمسجد محراباً مجوفاً وأربع مآذن للمسجد النبوي الشريف، فجعل في كل ركن من أركان المسجد مئذنة،ثم خفضت بعد ذلك إلى ثلاث مآذن حيث هدمت مئذنة باب السلام في الركن الجنوبي الغربي، لأنها كتنت تطل على منزل مروان بن الحكم (الأنصاري، السمهودي، نور الدين ، وفاء الوفاء، ج2 ، ص525؛ ناجي محمد حسن، عمارة وتوسعة المسجد النبوي الشريف عبر التاريخ، ص ص107-204). ومع أن أصل هذا المظهر عرف منذ العهد النبوي، حيث كان بلال مؤذن رسول الله e يؤذن على أسطوان مرتفع في دار عبد الله بن عمر في قبلة المسجد، وقيل في منزل امرأة من بني النجار، إلا أنه ترسخ واستمر رمزاً من رموز المدينة الإسلامية (السمهودي، نور الدين، وفاء الوفاء، ج2، ص ص 529-530).
     وقد أدت التوسعة السعودية الأخيرة إلى تغيير جذري في استخدامات الأرض المركزية، حيث ازدادت مساحة الاستخدام الديني ( المساجد والمقابر) من 1,82% من مجموع المساحة داخل الحلقة الدائرية الأولى في 1405هـ مع بداية التوسعة إلى 6,28% في سنة 1414هـ مع نهاية التوسعة (شكل رقم5). وفي المقابل تناقصت المساحة السكنية من 52,1% من مجموع المساحة داخل الحلقة الدائرية الأولى في سنة 1405هـ إلى 41,21% في سنة 1414هـ( مكي، محمد شوقي بن إبراهيم، النمو العمراني وتأثيره على المعالم الحضارية في المدينة المنورة ،ص642). ولكن برع المصمم والمنفذ في ربط تصميم التوسعة السعودية الأخيرة بتصميم التوسعة السعودية الأولى التي اتسقت مع التصميم العثماني في قبلة المسجد المتميز بالتصميمات الموظفة للعقود المقنطرة والأسقف القبابية مع البساطة في تصميم السطوح الجدارية والأرضيات والأسقف وخلوها من الزخارف المعقدة أو الألوان الفاقعة، حيث اكتست جميعها باللون الوردي والأبيض والأسود الخفيف. كما حليت إطارات مصابيح التوسعة بتصاميم تتفق مع تيجان الأعمدة والعقود المواجهة لها. واستخدمت الألوان الزرقاء الخفيفة والسماوية والخضراء في كتابة الآيات القرآنية والزخارف البسيطة التي تزين حوائط المسجد النبوي. ولهذه الألوان أبعاد رمزية وسيكولوجية تراعي الموقف الذي يقفه الإنسان في هذا المكان (عزاب، يوسف خليفة،المسجد النبوي والعلاقات اللونية،ص ص50-51)،وهذا امتداد آخر استمر بين العمارة القديمة والحديثة للمسجد النبوي الشريف.
     وصحب هذه التوسعة أيضاً تغيير كبير في الساحات المحيطة بالمسجد النبوي الشريف، حيث أدت مشاريع التطوير إلى ضعف التلاحم الكبير بين الاستخدامات الدينية والتجارية والسكنية الذي كان سائداً في الماضي، وأزيلت المجاورات السكنية القديمة(الأحواش) التي عملت على تقوية ذلك التلاحم. فأصبحت المناطق المطورة أكثر انفتاحاً على الشوارع الرئيسية التي تتميز بالاستقامة، وارتفاع عدد أدوار المباني على جانبيها(تصل إلى 10 أدوار فأكثر)، مما أفقد الوحدات السكنية كثيرا من الخصوصية والتقارب بين الجيران. ولقد أدى هذا التغيير إلى ضعف هيمنة المسجد النبوي الشريف بمنائره وقبته الخضراء على المظهر العام للمدينة التي اختفت خلف هذه العمائر التي أخذت تسد الأفق من بعض الجهات الرئيسية أو الفرعية للقادم  إلى المدينة المنورة أو لقلبها النابض. وفي هذا إضعاف للرابط الروحي بين الزائر وعمق المكان الذي قطع مئات وربما آلاف الأميال للوصول إليه. فمع تعقيدات وماديات الحياة الحديثة ما يضطرنا إلى الحرص على هذا الرابط وإيجاد البدائل للمشاريع التي تؤدي إلى إضعافه. ولا يتصور أن يكون المخططون والمعماريون المتأخرون قاصرين عما حققه أجدادهم خلال مئات السنين.
     ولقد أدت مظاهر التنمية الحديثة وإعادة البناء والخلخلة في المنطقة المركزية إلى ظهور أحياء جديدة على أطراف المدينة المنورة، مما زاد من الضغوط على الأجهزة البلدية في توفير ومد الخدمات إلى هذه الأحياء التي لا تزال تفتقد إلى بعض الخدمات، مثل شبكات المياه والصرف الصحي،كما هو الحال مثلاً في أحياء الدعيثة شمالي المدينة،والهجرة جنوب غربيها.
      كما أدت عمليات التنمية إلى اختفاء كثير من المعالم الأثرية والأنماط المعمارية التقليدية، سواء بالنسبة للمباني السكنية أو التجارية المتمثلة بالمباني ذات الأفنية الداخلية أو أبراج التهوية واختفاء الأسواق المسقوفة، وإن صممت بعض المباني الحديثة بمواصفات تقتبس من التراث الحضاري في تصميم النوافذ أو الأسواق المغطاة،ولكن زيادة الارتفاع خلق مشكلة كبيرة في المركز. فبالإضافة إلى  حجب خط الأفق فقد أدى تعدد الأدوار إلى زيادة مساحات الاستخدام التجاري والسكني، مما يعني زيادة الحركة وزيادة الحاجة إلى مواقف للسيارات، الأمر الذي لم يتوفر بالقدر الكافي للمستخدمين والزائرين لهذه المنطقة. ومع هذا فإن هذا الاقتباس في العمارة الحديثة من التراث المعماري سيدعم ولو جزئياً التواصل بين أنماط العمارة في الماضي والحاضر. أما بناء مجمع سكني-تجاري(مركز طيبة السكني التجاري-البرج الشرقي) يضم 360 وحدة سكنية و 280 محلاً تجارياً ، ويقيم ويعمل به نحو 1800 نسمة، ونحو 500 فرد على التوالي،ويتوفر به 450 موقفا للسيارات فيوضح عدم التوازن بين الاستخدام والاستعمال، إذ يعني ذلك توفر موقف واحد لكل خمسة أفراد،ناهيك عن الزوار والمتسوقين من خارج المجمع، مما يعني وجود مشكلة حادة في نقص المواقف التي لا تتناسب مع زيادة الكثافة(صورة رقم8).
     وما أحرانا بالمحافظة على هذه المعالم والأنماط التي تربط بين حاضرنا وتراثنا وسيرة نبينا محمدe وسلفنا الصالح، لأن كثيراً من معالم السيرة النبوية لا تعلم إلا إذا عرف موقعها. وقد حث النبيe على المحافظة على معالم المدينة فيما رواه الطحاوي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول اللهe قال: ]لا تهدموا الآطام، فإنها زينة المدينة[، وفي رواية أخرى أن رسول اللهe نهاهم عن هدم آطام المدينة لأنها زينة لها(الطحاوي،أبو جعفر،ج4،ص194؛ العزامي،خليل إبراهيم،ص ص124-125).  
     وقد أحسن المخططون صنعاً في تبني فكرة إنشاء مجمعات تجارية خارج المنطقة المركزية، مما يخفف من تركز المتسوقين في المركز وجذبهم إلى هذه المجمعات الجديدة. كما أدى تبني فكرة الحلقات 
صورة رقم (8):موقع مركز طيبة-البرج الشرقي والمباني المجاورة له والمقابلة للواجهة الشمالية   للمسجد النبوي الشريف.
الدائرية إلى ظهور طرق عريضة وسريعة تتناسب مع وسائل النقل الحديثة، وتزيح قسماً من حركة المرور من المركز إلى المناطق الخارجية من المدينة. كما أدى نقل بعض الاستخدامات المولدة للحركة مثل المستشفيات والدوائر الحكومية من منطقة المركز أو المناطق المحيطة به إلى المناطق الخارجية من المدينة إلى تخفيف الضغوط على المنطقة المركزية في الأوقات العادية. إلا أن المشكلة لا تزال موجودة في مواسم الذروة مثل رمضان والحج. وهذا أمر عهدته المدينة منذ وقت طويل. فقد لاحظ فيلبي مثلاً زيادة ازدحام شوارع المدينة في مواسم الحج والعمرة (Philby, st.J.B., Mecca and Medina, vol.10,p.508).

المناطق الخضراء:
      لقد كانت الخضرة وما زالت تمثل أهم عنصر بيئي يميز المدينة المنورة. فالمدينة المنورة منذ ما قبل الإسلام وفجر الإسلام تميزت عن مكة المكرمة بنشاطها الزراعي وحرفها التي خدمت النشاط الزراعي، مثل صناعة الفخار والأدوات الزراعية وحتى الأسلحة، بينما تميزت مكة المكرمة بالنشاط التجاري (العمري،عبد العزيز بن إبراهيم،الحرف والصناعات في الحجاز في عصر الرسولe،ص ص 89،90-91،104،209،271). وقد حافظت المدينة -لقرون عديدة- على هذه الميزة، ولم تقم مبانيها إلا في الأراضي غير المزروعة أو المهجورة. ولذلك حافظ الإنسان على علاقة متوازنة مع عناصر البيئة المحيطة به، ولذلك اشتهرت المدينة بتضاعف الاستخدام الزراعي للأرض.
     ومُورِست في هذه الأرض ثلاثة أنظمة لاستخدام الأرض الزراعية:مزارع لإنتاج الغلال، ومراع، ومزارع مختلطة لإنتاج الغلال وتربية الحيوانات،فقد كانت مزارع الغلال تنتج القمح والشعير في مناطق وادي قناة والجرف(ابن النجار،أبو عبد الله محمد بن محمود،أخبار مدينة الرسول،ص 12؛ حافظ، علي، فصول من تاريخ المدينة المنورة،ص272). كما ذكر السمهودي أن معاوية بن أبي سفيان كان يحصد مائة ألف وسق حنطة(السمهودي،نور الدين،وفاء الوفاء،ج3،ص988). واشتهرت مناطق قريبة جداً من المدينة بكونها أحمية لرعي الإبل والأغنام، مثل حمى النقيع الذي حماه الرسولe لخيل المسلمين،ثم حمى ضرية والربذة لمواشي المسلمين(ابن شبة،أبي زيد عمر،كتاب تاريخ المدينة المنورة،ج3،ص ص839-840). وانتشرت في داخل المدينة المنورة المزارع المختلطة التي تنتج النخيل والخضروات والفواكه،ففي المدينة يوجد مثلاً من أنواع التمر 123 نوعاً، وتنتج أرضها مختلف أنواع الخضروات،ومن الفواكه العنب والليمون البنزهير واليوسفي والتين والرمان. وتربى بعض الحيوانات، وخاصة الأغنام والدجاج والأرانب،مع قلة تربية الأبقار في المدينة.
     وقد عني المسلمون في العصر الإسلامي الأول بالمزارع، خاصة تلك الواقعة داخل المدينة وقد أحاطوها بالأسوار لتحميها من تعدي الإنسان والحيوان،ولذلك سميت "الحوائط"،كما كان يطلق عليها "الضامنة"، وذلك لأن أصحابها يحرسونها وهي مضمونة ضد الاعتداء الخارجي، لأنها تقع ضمن دائرة حماية المدينة(ابن منظور،لسان العرب،ج2،ص1052؛ العمري،عبد العزيز بن إبراهيم،الحرف والصناعات في الحجاز في عصر الرسول،ص99). وقد اعتمدت هذه الزراعة على نضح المياه الجوفية من العيون والآبار التي كانت تظهر على سطح الأرض أو قريباً منه، وخاصة في شمالي المدينة،وكانت للمزارعين طرق تقليدية معروفة لتحديد أماكن المياه العذبة وغير العذبة واستخراجها للزراعة أو للشرب(الآلوسي،محمود شكري،بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب،ج3،ص343).
      ولكن مع استخدام أدوات الحفر الحديثة واستخدام آلات السحب الميكانيكية للماء تضاعف نزح الماء من الطبقات السطحية والعميقة الحاملة للمياه حتى جفت وهلكت المزروعات التي كانت تعتمد عليها([6]). ولهذا فمع منتصف القرن العشرين اختلت العلاقة السابقة بين الإنسان وعناصر البيئة المحلية، وظهر هذا الخلل فيما يلي:
1-        إزالة الأحراج الغابية والمراعي الطبيعية أمام التوسع العمراني والزراعي.
2-            تسوية الأرض،خاصة في مناطق الحرات لأغراض الإنشاءات العمرانية من طرق ومساكن وحدائق وأماكن عامة.
3-     نقل التربة داخل البيئة الحضرية وخارجها لأجل إقامة أساسات أو أدوار سفلية للمباني الجديدة، أو ملء المنخفضات وتقوية التربات الضعيفة.
4-         تسرب الأساسات الإسمنتية داخل الترب الخصبة،وظهور مبان متعددة الأدوار،وتعبيد الطرق، ورصف الشوارع والممرات.
5-         تحول في أنظمة الصرف الطبيعي وإعادة توجيه بعض الأودية والمجاري المائية السطحية،وبناء السدود والجسور.
6-        دخول استخدامات متنوعة متغيرة على الأراضي غير المبنية.
7-     استخدام أجزاء متعددة من المظهر العام كمرام للنفايات الحضرية بين الجبال وفي مجاري الوديان، مما يشكل خطراً كبيراً في مواسم الأمطار التي سبق أن عرفنا أنها من نوع المطر الفجائي الكثيف ولوقت قصير، والتي مع أعمال البناء والرصف والتغطية تساعد على قلة تسرب مياه الأمطار والجريان السريع داخل المدينة.
8-        تلوث الجو نتيجة لحرق النفايات الحضرية والزراعية، وبالتالي تدمير نسيج الطبقة السطحية من التربة.
     وقد أظهرت بيانات التعداد الزراعي لعام 1382هـ/1962م أن المساحة المزروعة في المدينة المنورة تقدر ب 8046 دونما([7]) تضم 560 مزرعة و 47 حيازة لتربية المواشي فقط. ويشغل النخيل فقط مساحة 6807دونمات. ويصل عدد أشجار النخيل المثمرة فيه إلى 136077 نخلة، بالإضافة إلى 46157 نخلة غير مثمرة بمجموع 4 18223 نخلة(شعبة الإحصاء والاقتصاد الزراعي،نتائج الحصر الزراعي،ص ص89،90،108،109). وفي التعداد الزراعي الشامل لعام 1999م اتضح أن المساحة الإجمالية للأراضي المزروعة في المدينة المنورة تقدر ب 23145 دونما تضم 505 مزارع أو حيازات زراعية بها185110 نخلات(إدارة الدراسات الاقتصادية والإحصاء،التعداد الزراعي الشامل:تقرير جمع البيانات).
      وتشير هذه البيانات الظاهرية إلى تزايد المساحة المزروعة في المدينة المنورة بنسبة نحو 122% بين سنتي 1962- 1999م، وتناقص عدد المزارع بنسبة 8, 9%، وتزايد عدد أشجار النخيل بنسبة 36% خلال الفترة نفسها. ولكن المدقق في هذه البيانات يرى أن عدد المزارع والمساحات الزراعية تناقصت في نمط توزيعها، إذ تناقصت في العدد والمساحة في المنطقة التي تمتد داخل حدود الحرم، أي بين جبلي أحد في الشمال وعير في الجنوب (شكل رقم6)، وانتقلت بعض المزارع إلى منطقة الخليل (شمال غرب جبل أحد) التي كانت تشكل غابة من أشجار الكافور والأكاسيا والطرفاء، وتحولت إلى مزارع تسقى من آبار الخليل بعد أن جفت العيون وانقطعت السيول عن المنطقة، إضافة إلى ضغط الطلب على حطب الوقود والفحم، مما أدى إلى سرعة تدهور الغطاء النباتي وتجرف التربة في هذه المنطقة. ويشبه هذا النموذج ما حصل في مدينة مكسيكو سيتي حيث تناقصت المساحة الزراعية داخل المدينة وازدادت زيادة كبيرة في النطاق الخارجي لها (Losada,H., Urban Agriculture in the Metropolitan Zone of Mexico City,p.49 ). وقد نتج هذا التناقص في مساحة المزارع داخل المدينة من المشاكل التي واجهها المزارع المتمثلة في تناقص خصوبة التربة،وتناقص كمية الأمطار التي يعتمد عليها في الزراعة، مما أدى إلى جفاف العيون والآبار،وعدم كفاءة السوق الزراعية،وارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج في الزراعة.
     إضافة إلى ذلك فقد أصبحت آبار منطقة الخليل ملوثة نتيجة تسرب مياه محطة الصرف الصحي إلى الطبقة السطحية الخازنة للمياه، مما يعني عدم الاستفادة من منتجات المزارع التي نشأت فيها (يقدر عددها ب 125مزرعة)، وتقتصر فائدتها على توفير غطاء نباتي أصبح متنزهاً لسكان المدينة المنورة. ولعل هذا هو السبب في تناقص عدد المزارع بين التعدادين إذ انتهى كثير من المزارع التي تتصف بصغر حجمها داخل المدينة، واستعيض عن بعضها بمزارع أكبر حجماً في أطراف المدينة. وقد نتج عن هذا الزحف تحول في نوع الملكية،فمنحت الملكية الخاصة لبعض الأراضي التي ظلت ملكاً مشاعاً لفترة طويلة. كما توسعت أراضي المخططات التي حولت العديد من الأملاك العامة الواسعة إلى قطع صغيرة تناسب بناء المباني السكنية.
          ويشير الشكلان 6أ، 6ب إلى توسع المنطقة المبنية بين تأريخي 12/1/1407هـ (16/9/1987م) ([8])، و 28/11/1420هـ(30/3/2000م) حيث ازدادت المساحة المبينة من 4, 32كم2 في سنة 1987م إلى 7, 106كم2 في سنة 2000م. وفي المقابل تناقصت المنطقة المزروعة من 3, 144كم2 في سنة 1987م إلى 7, 10كم2 في سنة 2000م. ويتضح من الشكل 4ب بصورة جلية التناقص الكبير للرقعة الخضراء في وسط المدينة المنورة وأطراف منطقتها المعمورة في الجنوب والشرق والشمال الغربي، وتوسعها في أقصى الشمال الغربي. ولعل هذه الحقائق المعتمدة على الصور الفضائية تؤكد عدم دقة بيانات التعداد الزراعي لعام 1999م والتي تشير إلى زيادة الرقعة الزراعية في المدينة المنورة. 
      ولعلنا يمكن أن نطبق هنا مؤشر معدل استهلاك الأرض Land Consumption Rate (LCR ) على الأرض المبنية والزراعية لمعرفة مدى التغير في حصة الفرد من المساحة المبنية أو المزروعة ووحدة هذه المساحة، فأنه كلما كانت قيمة المؤشر منخفضة دل ذلك على تلاحم وتراص المدينة، والعكس صحيح. وتتمثل قاعدة المؤشر ووحدته م2/نسمة على النحو الآتي:
                                 م2=1000000x  LCR= P/A
     حيث إن A= مساحة المنطقة المدروسة (مبنية أو زراعية) بالمتر المربع.
                P= عدد سكان المدينة في السنة نفسها.
     ولعدم توفر بيانات سكانية للسنوات التي تتوفر لها الصور الفضائية فقد قام الباحث بإحداث اسقاطات سكانية لسنتي 1407هـ(1986م)، و 1420هـ(2000م) بتطبيق برنامج حاســوبي
Demproj) )  لهذا الغرض. ويبين الجدول رقم (2) نتيجة تطبيق المؤشر.
    ويتبين من الجدول ارتفاع معدل استهلاك الأرض المبنية في المدينة المنورة، مقارنة ببعض المدن العربية الأخرى، فنجده يبلغ 83،110،129 في مدن الموصل والبصرة والديوانية العراقية على التوالي (علي،زين العابدين،ص32). وتشير هذه القيم إلى اتساع المدينة وعدم تزاحمها، وارتفاع حصة الفرد من المساحة المبنية. وقد نتج عن ذلك ارتفاع معدل الاستحواذ على الأراضي الجديدة التي تم عليها توسع المنطقة الحضرية بين سنوات  1394 1407هـ، والشيء نفسه ينطبق على السنوات التالية حتى سنة 1420هـ(2000م)، وبشكل أكثر وضوحاً حيث ارتفع معدل الاستحواذ من 6, 47 إلى 7, 277. ولا شك أن هذا الاستحواذ كان على حساب الأرض الزراعية في المدينة. 
     وقد أدى تناقص موارد المياه إلى اختفاء بعض المحاصيل التي تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه، فلم نعد نرى أي وجود لمزارع القمح التي تحدثت عنها المراجع القديمة،وتزايد استخدام المخصبات الكيميائية، معززة بذلك حالات تلوث التربة والمياه المستخدمة نتيجة الإسراف في استخدام هذه المخصبات أحياناً. كما أدى التغير في نمط استخدام الأرض إلى المزيد من تجريف التربة الزراعية أو تلويث مكوناتها، خاصة تلك الموجودة داخل التجويف الرباعي لموضع المدينة(صورة رقم9). ونتيجة لهذا التحول ترتفع أسعار الأرض لصالح النمو الحضري أكثر من الاستخدام الزراعي الأصلي. فعلى سبيل المثال اتضح من مقابلة مع الشيخ حمزة سعيد صاحب بستان في منطقة قربان أن دخل المزرعة([9]) السنوي كان يعادل نحو 40000 ريال، وأن قيمة الأرض لتنميتها ضمن النمو العمراني للمدينة يعادل 5000000 ريال، مما يعني أن الدخل الزراعي يحتاج 125 سنة للوصول إلى مستوى بيع الأرض في السوق العقارية،ناهيك عن الفوائد الاقتصادية بعد تنميتها. ولهذا عمد كثير من أصحاب الأراضي

صورة رقم (9أ):حفر الأرض الزراعية ونقل تربتها إلى أماكن أخرى وتحويلها إلى مبان سكنية.
 صورة رقم(9ب): تجريف الأرض الزراعية وإقامة قواعد اسمنتية تمهيداً لإقامة مجمعات سكنية عليها.
الزراعية إلى هجرها حتى تموت وتتحول من أراضٍ زراعية إلى أرض موات،وبالتالي تقطيعها وتحويلها إلى مربعات للبناء(صورة رقم10،11).
صورة رقم(10): مزرعة في منطقة قربان جنوبي المدينة توضح عدم العناية بالأرض الخضراء عمداً وتركها لتجف وتتحول إلى أرض بور غير مستغلة.

      ولعل الاهتمام بالمساحات الخضراء يقع بين الجانب النفعي والجانب الروحي فيما يمكن أن يسمى الجانب الجماليAesthetic الذي يرتبط بالإحساس بعالم الطبيعة. فبالنسبة لكثير من الناس يعد النظر إلى الجبل أو الوادي، أو الخضرة أو الطيور هو الدافع الرئيسي للاهتمام بأماكن محددة. وكثيراً ما كانت هذه الأماكن مصدر إلهام للشعراء الذين قضوا أوقاتاً تفيض بالسعادة والحبور في ربى العقيق وسفوح أحد منشدين أعذب الشعر وأرقه، ومتسامين بعبق الروح والمكان وما حواه من جسد أفضل الخلقe. وتمثل هذه السعادة قمة أهداف التخطيط الحضري الناجح في إيجاد البيئة التي تحقق سعادة ورفاه الإنسان.
       وقد يعوض بعض الحدائق العامة بأشكالها البديعة التي أنشأتها أمانة المدينة المنورة بعض النقص في المساحات الخضراء في المدينة،ولكن هذه الحدائق قاصرة عن توفير المردود الاقتصادي الذي كانت تقوم به المزارع داخل وحول المدينة. وحتى هذه الحدائق فقد أثبتت بعض الدراسات أنها نتيجة لأعمال التطوير في المدينة قد نقص عددها من 50 حديقة في 1408هـ إلى 44 حديقة في سنة 1414هـ، وزادت مساحتها زيادة طفيفة بنسبة نحو 12% خلال الفترة نفسها(مكي،محمد شوقي بن إبراهيم،توزيع الحدائق العامة في المدينة المنورة،ص201؛ مكي،محمد شوقي بن إبراهيم، الحدائق العامة في المدينة المنورة،ص134).

صورة رقم(11): مزرعة في منطقة قربان جنوبي المدينة أُعلن على أنها أرض عقارية للبيع ولم يشر إلى أنها أرض زراعية حتى وقبل أن يموت زرعها.

   جدول رقم (2): مؤشر استهلاك الأرض المبنية والمزروعة في المدينة المنورة.

السنة

عدد السكان

المساحة المبنية/ كم2
معدل استهلاك الأرض  المبنية
معدل التغير %
المساحة المزروعة/كم2
معدل استهلاك الأرض المزروعة
معدل التغير
%
معدل الاستحواذ على الأرض
1394هـ(1974م)
198186
41, 32
5, 163

25, 144
8, 277


1407هـ(1986م)
415419
7, 42
9, 102
32-
12, 45
6, 108 
7, 68-
6, 47
1420هـ(2000م)
645907
65, 106
1, 165
149
72, 10
5, 16 
2, 72-
1, 277
المصادر:1- مصلحة الاحصاءات العامة،1397،1417هـ.
         2-معهد بحوث الفضاء،2000م.
         3- الحسابات من عمل الباحث. 
      ولعل توجه أمانة المدينة المنورة بحماية منطقة البيضاء شمال البركة كمتنزه بري لسكان المدينة خطوة جيدة نحو حماية البيئة الطبيعية في المدينة، ولكن هذه المنطقة أصبحت تعاني من شح المياه بعد توقف جريان السيول فيها، نتيجة بناء سد بطحان وسد البركة. ويمكن اقتراح حل بديل لهذا الشح في المياه بتبني برنامج أكثر تطوراً في معالجة مياه الصرف الصحي حتى تصبح صالحة لسقي المزروعات وتركها تنساب في هذه المنطقة غير البعيدة عن محطة الصرف الصحي، أو إحياء نظامها الزراعي-الغابي الذي كان سائداً خلال قرون خلت، الأمر الذي قد ينعكس على العناية بأشجار الغابات والمحاصيل الزراعية والإنتاج الحيواني. لقد سبق أن عرفنا بأن المدينة المنورة استهلكت في عام 1420هـ نحو 250000م3/اليوم من المياه، كما ازدادت كمية مياه الصرف الصحي من نحو 31900م3/اليوم في سنة 1406هـ إلى نحو 84000م3/اليوم في عام 1420هـ(مصلحة المياه والصرف الصحي بمنطقة المدينة المنورة،ص4)،فإذا ما عولجت هذه الكمية أو نسبة كبيرة منها فحتماً ستكون فوائدها عظيمة في وقف هدر المياه الباطنية والمحلاة في المدينة. فلا شك أن حماية البيئة الطبيعية والحضرية يجب أن تقدر ليس فقط لفائدتها للإنسان، وإنما أيضاً لأهميتها وقيمتها الذاتية والجمالية. وكما يرى بعض المهتمين بالبيئة:"أن المنهج الجمالي نحو البيئة يؤكد إنسانيتنا حين نتصور أن الطبيعة وجدت لتسرنا وتخدمنا،ولهذا فهي تنظم لخدمة تحقيق البهجة الجمالية للإنسان"(Cooper, D., Keeping an Eye on Nature,p.10). ولهذا فإن فقدان هذه البيئات قد لا يعوض، ويعتبر خسارة أبدية يقع وزرها على من خطط ومول ونفذ لهذا الفقدان.
ونظراً لما تتمتع به المملكة حديثاً -ومنطقة المدينة جزءا منها- من نمو سكاني سريع يصل إلى 4,9% للمملكة، و 3,5% للمدينة المنورة سنوياً خلال الفترة 1394-1413هـ(شكل رقم7)، وبالتالي كان لابد من الحرص على الأرض الزراعية وحمايتها بشتى الطرق أمام القضم الحضري. فللقطاع الزراعي دور  بارز في مختلف مراحل النمو التي قامت في العديد من دول العالم، إذ يعتبر هذا القطاع المحرك الأساسي لعمليات التنمية في كثير من هذه الدول، لأنه يدعم النشاط الأساس لإنتاج السلع الضرورية وتحقيق الأمن الغذائي للإنسان، كما أنه يعتبر مصدراً من مصادر المواد الأولية لكثير من الصناعات،ومصدرا من مصادر الدخل القومي،ويعمل على تحقيق النمو الاقتصادي المتوازن. ولهذا حرصت الكثير من الدول المتقدمة والنامية ومنها المملكة- على تنمية هذا القطاع للحد من الحاجة إلى استيراد الغذاء من الخارج. ولهذا فإن الحماية تتطلب التخطيط الموجه الذي يحقق رغبات السكان قدر المستطاع ولكن بشرط ألا يؤدي هذا التحقيق إلى التعدي على المصالح العامة والوطنية.
     وهذا ما يؤكد أهمية التعليم والتثقيف في المدارس والجامعات، وفي الدورات والبرامج المتخصصة وغير المتخصصة للطلاب وغير الطلاب من أهمية للمحافظة وعدم التبذير وتبني النظرة الثاقبة التي تتعدى المصالح الذاتية الضيقة إلى المصالح الوطنية العامة. إن ارتفاع تكاليف المعيشة في المدينة وتدهور البيئة نتيجة النمو العمراني فيها حتماً سيؤدي إلى زيادة الوعي للحاجة إلى المحافظة على المناطق الزراعية داخل وحول المدينة. وقد ورد في الحديث الشريف التحذير من الإسراف في الوضوء والطهارة؛ وهما واجبان شرعاً؛ فما ليس بواجب يكون التحذير فيه من باب أولى. ولقد ذكر العزامي في معرض حديثه عن مسؤولية ساكن المدينة نحوها من ضرورة الحرص على العناية بشجر المدينة، خاصة نخيلها الذي أخذ في التقلص في العدد والنوع، مما يزيد من المسؤولية العامة والخاصة في الاهتمام بزراعة ما بدأ بالتناقص والانقراض من شجرها(العزامي،خليل إبراهيم،ص22). بل لقد أثبتت بعض تجارب الحماية العالمية أهميتها،فعلى سبيل المثال اتجه المخططون في مدينة مكسيكو سيتي على التحول من الزراعة التقليدية في الريف البعيد إلى الزراعة الحضرية كنتيجة لزيادة الطلب على أماكن الترويح في المدينة، ولهذا تم تشجيع نموذج الإنتاج الزراعي من قبل المزارعين الحضر الذين يستفيدون من البنية الأساسية في المدن من تعليم وصحة وغيرهما، مما أثر في التنظيم المكاني والمحصولي لهذه المزارع لتقابل الاحتياجات الحضرية (Losada, H., Urban Agriculture in the Metropolitan Zone of Mexico City, p.37). 
     إن مقومات الاستفادة من هذه التجارب موجودة في المدينة المنورة من نمو عدد السكان ونمو الحاجة للترفيه وإلى المنتجات الغذائية،خاصة الخضروات والفواكه واللحوم. فالبيانات لعام 1999م تشير إلى استغلال المزارع في تربية الحيوانات، إذ يربى في هذه المزارع 2534 رأساً من الضأن،9326 رأساً من الماعز، 553 رأساً من الأبقار،11 رأساً من الإبل(إدارة الدراسات الاقتصادية والإحصاء، التعداد الزراعي الشامل). ومع أن هذه الأعداد تشكل نسبة بسيطة مما يذبح سنوياً في المدينة المنورة إلا أنها تشكل دعماً للاقتصاد المحلي مما يوجب العناية بها وتنميتها. فعلى سبيل المثال تشكل هذه الأعداد نسبة 2,6% مما يذبح سنوياً من الضأن المحلي، و 1,2% من مجموع ما يذبح من الضأن تحت إشراف أمانة المدينة المنورة، 13,3% من الماعز المحلي، و 9,9% من المجموع، و 115,9% من البقر المحلي، و 23,3% من المجموع، 0,3% من الإبل المحلي، و0,1من المجموع(إدارة الإحصاء والبحوث، إحصائيات البلديات،ص242). ولا يخفى أهمية هذه الثروة الحيوانية في تلبية بعض احتياجات السكان المتزايدين من اللحوم والحليب(صورة رقم12). كما أن مخلفات هذه الثروة الحيوانية يمكن أن تستخدم في توفير السماد العضوي للمناطق الزراعية، والذي هو أقل ضرراً من السماد الكيماوي. ولا شك أن هذين الجانبين يدعمان الجانب النفعي للمحافظة على الأرض الزراعية. 
صورة رقم (12): حظائر الأغنام في مزرعة في منطقة العوالي جنوبي المدينة المنورة.
     ومع تنامي الاهتمام بالسياحة في المملكة يمكن اعتبار المزارع الخاصة في المدينة مصدراً من مصادر الترويح، والتي يمكن أن تجذب السياح من داخل وخارج المملكة؛ فبالإضافة إلى الجانب الروحي المتمثل في زيارة المسجد النبوي الشريف، فإن المزارع الخاصة داخل المنطقة الحضرية أو القريبة منها تشكل عاملاً هاماً في جذب السياح، وفي إعطاء المدينة المنورة ميزة تنفرد بها عن غيرها من المدن السعودية. ويعني هذا الاهتمام ترسيخ ما كانت تمتاز به المدينة لقرون عديدة من اعتبارها مركزاً للترفيه الأسري ومكانا للتعرف على الطبيعة والحضارة التي ضاعت في خضم عمليات التحضر في كثير من المدن، مما يقوي من الثقافة البيئية وتفاعل الإنسان مع البيئة.
     ولا شك أن مركب العناصر الدينية والعمرانية والزراعية والسياحية ستشكل القوة الدافعة لحياة جديدة لأنماط تقليدية من الاستخدامات والسلع والخدمات في المدينة. إن تطوير الخدمات في هذه المزارع وحولها يمكن أن يشكل موقعاً جذاباً لارتياد محدودي ومتوسطي الدخل، طلباً لتغيير نمط المعيشة والارتباط لفترة ولو قصيرة بحياة الريف وغذائه. ومن هذا النظام يمكن تبين نوعين من النشاط الاجتماعي والتجاري المتمثلين في التقاء الحياة الحضرية بحياة الريف،ونشاط تجارة بيع اللحوم والأغنام بفعل الرغبة غالباً في التمتع بالأغذية المشوية(الشوي على الفحم أو في أفران مكتومة لإعداد وجبات المندي)، وكذلك تجارة لوازم الرحلات للمتنزهين، والتي تأتي غالباً من أسواق المدينة. والتجارة الأخرى هي تجارة أصحاب الوبر لعرض العاملين في الريف بعض منتجاتهم الحرفية التي تستهوي مرتادي هذه المزارع.

النتائج والتوصيات:
      تظهر لنا الفقرات السابقة عدداً من النتائج التي يمكن استعراض أهمها في الفقرات الآتية، مع ما يناسبها من التوصيات:
1- لقد أظهرت الفقرات السابقة أهمية النوعية المميزة للخصائص الطبيعية والحضارية للمدينة المنورة في ترسيخ الشخصية الجغرافية لعاصمة الإسلام الأولى. لقد كانت المدينة المنورة محظوظة جداً في احتوائها مناطق سهلية وجبلية وفرت لها الحماية والموارد المائية والتربة الجيدة التي كانت سبباً رئيسياً في قيامها واستمرار حياتها،وزاد من قوة هذا السبب العامل الحضاري المتمثل في ظهور الدين الإسلامي وانتشاره من هذه البقعة، الأمر الذي ساعد على تشكيل وصياغة عناصر مراكز الاستيطان والاستقرار البشري في العالم الإسلامي. ومع التلاحم وتحسن العلاقة بين عناصر البيئة المحلية والخلفيات الحضارية المحلية والخارجية ترسخت عوامل الموقع الأساسية مع الإمكانات الاقتصادية، مما يتطلب الحذر في المحافظة على ما ترسخ من نوعيات أساسية. فالمجتمع الواعي لا يعرض للخطر عناصر الحياة الاقتصادية والحضارية من مسكن وماء وهواء وتربة وغابة أو مزرعة.
2- ويظهر أنه لابد من العناية الفائقة بعمليات التنمية لجميع عناصر المظهر العام، سواء في التعامل مع عناصر البيئة الطبيعية أو الحضارية. فلابد من وضع استراتيجية تنظم استخدامات الأرض لتراعي الخصائص الطبيعية للمنطقة من انحدارات وارتفاعات وظروف مناخية لتتماشى مع الأسس التقليدية للاستخدام التي كانت سائدة في المدينة المنورة، والتي حافظت على هيمنة المسجد النبوي الشريف على خط الأفق، وعلى عدم الحاجة المتطرفة للوسائل الاصطناعية لجعل حياة الإنسان ممكنة في الموضع، وكذلك التحكم في النمو غير المخطط وغير المدمج، مما يحقق التجانس مع عناصر البيئة لتحقيق بيئة طبيعية واقتصادية واجتماعية تلبي احتياجات السكان في الحاضر والمستقبل. ولتحقيق هذا التجانس لابد من الاهتمام باختيار المخططين الأكفاء من ذوي الخبرة العالية لمثل هذه المدن، والتثقيف المستمر للسكان، والمشاركة العامة بين أجهزة التخطيط والتنفيذ وأفراد المجتمع. ولابد من وضع الاستراتيجيات المناسبة لتنمية تجارة التجزئة،وتقديم الخدمات السياحية لزوار المدينة،وتوزيع المكاتب الإدارية،والمحافظة على المساحات الخضراء، والعناية بالتنظيف المستمر لمجاري الأودية المكشوفة، أو الجسور التي تغطيها، أو المجاري الاصطناعية في جسد الشارع حتى تكون مستعدة دوماً لأحمال المياه في مواسم الأمطار. وحبذا لو أنشئت إدارة متخصصة في المصلحة الزراعية في منطقة المدينة، أو في أمانة المدينة المنورة، للعناية بشؤون الأودية من حيث النظافة والاستغلال والحماية.ويتم كل ذلك مع الأخذ في الاعتبار إمكانيات التطوير العصرية التي تسمح بالاستخدام الآمن والمعتدل لوسائل التقنية الحديثة في التكيف والحركة والبناء، مما يعزز نوعية البيئة على المدى الطويل. وهذا لا يعني إيقاف تنمية نشاطات استراتيجية في المدينة، مثل الصناعة والتعدين، وإنما يمكن توجيه الضروري منها إلى مراكز بديلة تابعة خارج المدينة المنورة للمحافظة على خصائص المدينة.
3-لقد أدت مشاريع التنمية إلى إزالة كامل بعض الأحياء القديمة، وخلخلة بعضها الآخر بشق الشوارع داخلها أو توسعة الشوارع القديمة. لقد كانت الشوارع والحواري القديمة مناسبة لحركة المشي والدواب، ولكنها لم تعد مناسبة لوسائل الحركة الحديثة،خاصة السيارة، مما فرض استخدام مبضع المخطط لتبني وسائل العلاج السابق ذكرها لتلبية حاجة السكان، وهذا أمر تحتمه الضرورة لأي مدينة حية تجري في شرايينها رغبات التطور والنماء، وهو أمر مقبول لكن بتعقل، إذ يفضل غالباً اتباع استراتيجيات التنمية وإعادة التطوير المختارة والفردية على التطوير الشامل،خاصة في المدن ذات التراث الحضاري العريق حيث لا يذهب الغث والثمين تحت طائلة هذه البرامج(مكي،محمد شوقي بن إبراهيم،المدخل إلى تخطيط المدن،ص149). وهنا يمكن التوصية بوضع مجسم لكامل المدينة القديمة تتبناه إحدى الجهات الرسمية مثل أمانة المدينة المنورة، أو وزارة المعارف، متمثلة في المتحف الحضاري المزمع إقامته في المدينة المنورة، ويحدد على هذا المجسم المعالم الأثرية التي اندثرت أو الباقية حتى الوقت الحاضر، والتي تمثل مراحل مهمة من تاريخ المدينة المنورة. ولعل تجربة مركز أبحاث المدينة المنورة في وضع مجسم لجزء من هذه المدينة القديمة تعد تجربة رائدة تحتاج إلى الدعم والتطوير، والمكان المناسب للإنشاء أو العرض.
4-ومما ينصح به تطوير استراتيجية تخطيط للمدن تأخذ في الاعتبار عمليات التطور العمراني، وأن يكون أحد عناصرها الاهتمام بأعمال الصيانة والتجديد والمحافظة للعناية بالبيئة الطبيعية والعمرانية. والعناية بالبيئة العمرانية لا تعني العناية بالأبنية القديمة فقط، أو تحويلها إلى مراكز جذب للسياح، وإنما العناية بالنسيج العام والعلاقات المتوازنة بين التركيب القديم والحديث.
5-إن استخدام مبضع المخطط لتطوير المناطق القديمة بفتح الشوارع أمام حركة المرور المتزايدة يجب أن يتم بتعقل. فمشكلة ازدحام حركة المرور مشكلة عالمية ،ولا يمكن التساهل في معالجتها حسب ما تفرضه زيادة عدد السيارات أو زيادة الحركة، فهناك دائماً بدائل عديدة لحل هذه الإشكالية، لعل أهمها ستة بدائل هي:إضافة طرق جديدة،الحد من استخدام السيارة،تحسين وسائل النقل العام، تغيير أنظمة استخدام الأرض،أو فرض رسوم لاستخدام أكثر الطرق ازدحاماً،وأخيراً عدم اتخاذ أي إجراء على أمل أن يؤدي الازدحام نفسه إلى عدم تشجيع استخدام السيارة( Roth, G., Compating Congestion with Cash, p.5).
      ولعل بعض هذه الحلول غير عملي أو مرفوض من قبل السكان أو بعض القطاعات الرسمية الهامة في الدولة. فإضافة طرق جديدة في منطقة مطورة هي سبب مشكلة ضياع كثير من المباني الحضارية، والحد من استخدام السيارات غير مرغوب من قبل بعض الرسميين والأطباء ورجال الإسعاف وغيرهم من المستخدمين الرئيسيين لهذه الطرق، بالإضافة إلى أنها قد تعزز الفساد والرشوة لتخطي قوانين المنع. كما أن استخدام النقل العام غير مرغوب إلا في مدن قليلة في العالم تطورت فيها هذه الوسيلة، وذلك لتميز السيارة الخاصة في الانتقال من الباب إلى الباب، مما يعزز سرعة الحركة، وبالتالي إنجاز الأعمال في وقت أقصر. أما تغيير أنظمة استخدام الأرض فيمكن تطبيقه لدرجة محدودة، إذ أن هناك بعض الاستخدامات التي لا يمكن تغييرها، مثل الاستخدام الديني والتجاري المرتبط بمركز المدينة. وتبقى إمكانية نقل بعض الاستخدامات المولدة للحركة مثل المدارس والمستشفيات، وبالتالي ينصح بالبحث جدياً في نقل مستشفى الولادة من المكان الذي يحتله قرب المسجد النبوي الشريف إلى مكان آخر خارج المنطقة المركزية، وحتى خارج المنطقة الانتقالية لحاجة هذا الاستخدام إلى مساحة أكبر لوقوف السيارات، الأمر الذي لا يتوفر حالياً. كما أن ترك الحبل على الغارب وعدم التدخل، يعني القطيعة بين أجهزة التخطيط وسكان المدينة، فهو إذن حل غير عملي ولا ينصح به، ولكنه قد يؤدي إلى نتائج محدودة ولكن بعد بلوغ المشكلة حدها الأقصى.ويعني هذا الوضع أنه يبقى أمام أجهزة التخطيط حل عملي أساس وهو فرض رسوم للمرور في الطرق المزدحمة، سواء داخل المنطقة المركزية أو خارجها. ولكن هذا الحل يحتاج إلى كفاءة عالية في التنفيذ حتى لا يؤدي جمع الرسوم إلى طوابير تزيد من حدة المشكلة، كما أن فرض هذه الرسوم لابد أن يكون مرناً غير جامد، بمعنى تغيير معدل هذه الرسوم حسب المواسم وحسب درجة الازدحام بين ساعات النهار والليل، كما يتم مع شرائح أجور استخدام الهاتف. وقد مكنت الأساليب الإلكترونية الحديثة في بعض المدن الكبرى في العالم مثل أوسلو في النرويج من تحصيل الرسوم دون الحاجة إلى وقوف السيارات، أو حتى تهدئة السرعة دون الحد المسموح به مع اختلاف هذه الرسوم من مكان لآخر ومن وقت لآخر.
6-لقد دعمت الدولة مشاريع التنمية الحضرية بإنشاء العديد من الأجهزة الحكومية وغير الحكومية التي خلقت نمواً حضرياً منقطع النظير نتيجة مساعدات صناديق ومؤسسات مثل صندوق التنمية العقارية، وبنك التسليف السعودي، والشركة السعودية للفنادق والمناطق السياحية،والشركة السعودية العقارية،وشركة طيبة للاستثمار والتنمية العقارية. وقد كان لهذا الدعم أثره الفاعل في نمو المدينة، وتحول بعض الاستخدامات الزراعية والتجارية إلى استخدامات سكنية وخدمية. وعلى الرغم من أثر التحول المفيد في توفير احتياجات السكان المتزايدين من المساكن والخدمات إلا أن ذلك أثر تأثيراً سلبياً على المناطق الخضراء.
    لقد أوضح النشاط الزراعي داخل وقرب المدينة الصلة الحضارية القوية بين سكان الماضي والحاضر، وما التحديات المعاصرة التي توجه هذه المناطق والمتمثلة في تدهور البيئة نتيجة عمليات التحضر السريعة في المنطقة وفي المملكة بشكل عام إلا سحابة صيف يمكن مواجهتها بتبني الأساليب التقنية الحديثة التي تمكن النشاط الزراعي من الاستمرار بأنماط جديدة في الإنتاج والنقل والتوزيع، ليتحقق التناغم بين عناصر البيئة المحلية والمقومات الاقتصادية والاجتماعية للإنسان المقيم على هذه الأرض. إن هذا التطوير سيدعم علاقات العمل بين البيئتين،ويمكن من إيجاد فرص عمل جديدة في الآليات الجديدة للإنتاج، وفي تداعيات هذه الآليات لصالح السكان والنمو الحضري والريفي،وبالتالي تتوازن الفوائد الاقتصادية من القطاعين، مما يمكن كل قطاع،خاصة الزراعي من الوقوف كحاجز قوي في وجه التعديات والنمو غير المخطط. ولابد من التأكيد هنا على أهمية اختيار التقنية المناسبة حتى لا يتولد عن هذا الاختيار مشاكل جديدة تسبب التلوث وتدهور البيئة.
     ومع أن الدولة قد دعمت التنمية الزراعية بإنشاء بنوك التسليف الزراعي، إلا أن النشاط الزراعي يحتاج إلى دعم وتنظيم أكثر لمنع تحويل الأراضي الزراعية إلى أراض عمرانية، وذلك بالعمل على رفع دخل المزارع، والحد من المصاريف الوسيطة للسماسرة ووسائل النقل التي ربما استهلكت ثلثي دخل المزارع، وفي أحسن الأحوال لا تغطي تكاليف النقل والتغليف. وقد يشجع إعادة تنظيم المساحات الزراعية بدمج المزارع الصغيرة، حتى تتمكن من زيادة الإنتاج، وزيادة الدخل للمستثمر الزراعي. وبهذا يستطيع المزارع المحافظة على أرضه، وتطوير مستوى معيشته، وتطوير استثماره في تجهيز واستخدام الأدوات الحديثة.
     ولا شك أنه من المفيد إنشاء الجمعيات التعاونية التي تحافظ على الأسعار، وتحدد وقت نزول السلع إلى الأسواق لتتناسب مع دورات الإنتاج، خاصة للمنتجات القابلة للتخزين، أما المنتجات القابلة للعطب بسرعة فيمكن تطوير صناعات تقوم بتعليبها، وتوفيرها بالتالي في غير فصول إنتاجها.
     ولا شك أن الله سبحانه وتعالى قد ضاعف البركة في إنتاج المدينة المنورة استجابة لدعوة الرسول e، أخرج البخاري عن أنس وعن عائشة حديثين عن النبي e قال:]اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة[، وقال:]اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، اللهم بارك لنا في صاعنا وفي مدنا، وصححها لنا، وانقل حماها إلى الجحفة[( البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، الحديث رقم 1885، 1888، ص ص358، 359). ويلحظ المرء حتى الوقت الحاضر توفر السلع الغذائية دوماً في أسواق المدينة وعدم تأثرها بالمواسم كما يحدث لبعض المدن الأخرى. ولكن هذا لا يمنع من الاهتمام بتوفير شبكة من الجمعيات التعاونية التي تحاول مساعدة المزارع في مختلف مراكز الاستقرار التي تشكل بديلاً إيجابياً لتحسين التوزيع لمختلف المدن، وكذلك تحسين القوى الذاتية والمعيشية لهم، خاصة إذا علمنا أن هناك العديد من القرى التابعة للمدينة المنورة التي تصرف منتجاتها في المدينة والتي يعتبر فيها الاستخدام الزراعي أكثر ربحية من الاستخدام الحضري، كما هو الحال مثلاً في قرى القفيف وغراب، والفقرة والحفيرة، وبئر جمعة والعزلة، وضبة والصخة. وزاد هذا الارتباط بعد بناء طرق المواصلات المعبدة أو الممهدة ( الزراعية) التي تصل هذه القرى بمركز المدينة المنورة . ولابد من التأكيد هنا على أهمية مكافحة التضخم، خاصة بالنسبة للمزارعين، لأن أي زيادة في الأجور مع تنامي التضخم سوف تقضى علي أي تحسن في مستوى المعيشة، أو تعني بالفعل تناقصاً في الدخل الحقيقي للفرد. ولعل البدء في تنفيذ المخطط الإقليمي للمدينة أمل كبير في تقوية هذه الروابط بين المدينة المنورة والمراكز التابعة لها والمحافظات الأخرى في المنطقة.
7- تعتبر ندرة المياه من أهم مشاكل العصر التي تواجه برامج التحديث والتنمية المستدامة في المدينة المنورة،ولذلك لابد من العناية بترشيد الاستهلاك الزراعي والحضري لهذا المورد الثمين لتحقيق أكبر وأطول فائدة منه، وذلك عن طريق استخدام كل ما هو حديث من آليات تساعد على قلة استهلاك المياه، خاصة المياه العذبة، وتطوير وسائل معالجة المياه المستخدمة وتدويرها للاستخدام الاقتصادي الأمثل، والبحث عن المياه في أعماق التكوينات السطحية في الأودية، وأسفل التكوينات البازلتية. ونظراً لأن المدينة المنورة تمثل مركز الثقل التاريخي والسكاني في منطقة واسعة تمتد لنحو 154 ألف كم2، فيمكن التوسع في البحث عن موارد جوفية أبعد من الأودية والحرات القريبة من المدينة إلى طبقة الساق الخازنة لكميات كبيرة من المياه في شمالي المدينة المنورة(المحرر،المدينة المنورة،ص34؛ المحرر، دراسة الخواص الجيوفيزيائية والهيدرولوجية لشمال غرب المدينة المنورة،ص54).
8-ونتيجة لسوء تنفيذ بعض المخططات يقترح وضع بعض الخطوات التنفيذية التي يمكن إنجازها بالتنسيق الإداري بين أجهزة الخدمات والتنمية في المدينة على مدى مراحل البناء والإنشاء، ثم وضع المخططات العمرانية التي تتلاءم مع هذه الخطوات التنفيذية . وتعتمد هذه الخطط العمرانية على استخلاص الظواهر الاجتماعية العمرانية الواقعية لعدد من مشروعات التنمية العمرانية السابقة في القطاعين العام والخاص والتي تؤكد على خصوصية المكان ومراعاته للقيم والأعراف المحلية، ثم وضع التصور الأقرب للمراحل الواقعية التي يمكن أن تؤطر عملية التنمية العمرانية بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية، والتي أطلق عليها عبد الباقي النظرية الجديدة في التنمية (إبراهيم، عبد الباقي، نحو نظرية جديدة في تنمية المجتمعات الحديثة،ص10). وتتلخص نظرية عبد الباقي -بالإضافة إلى  ما سبق- الاهتمام بنظام تقسيم الأراضي بحيث يُسمح لراغب البناء من مستويات الدخل المختلفة أن يقتص المساحة التي تتناسب مع قدرته الشرائية، مع التعهد بالبناء خلال فترة محددة، وبذلك تبقى ملكية الأرض مرهونة بالبناء عليها، فالبيع والبناء لمن سبق، مع الاحتفاظ بحدود الارتفاعات كقاعدة عامة في الخلية أو المجاورة السكنية دون النظر لسعة الشوارع، وإن كان من الأجدى أن يزيد الارتفاع على طول الشارع المصمم أصلاً للتجارة، سواء داخل المجاورة أو خارجها، والذي يتحمل حركة المرور، حتى يتشبع بالنشاط التجاري، ثم يتحول تدريجياً إلى شارع مشاة، وتقل الارتفاعات على الطرق الخلفية التي تتحول إليها حركة المرور فيما بعد، وتمثل الفواصل بين الخلايا أو المجاورات السكنية.
     ولاشك أن  هذا الأسلوب سيحمي تعديات الاستخدامات على بعضها ويربط النظرية بالواقع ، أي النظرية المبنية على الواقع المستخلص من التجارب العملية( إبراهيم، عبد الباقي، نحو نظرية جديدة في تنمية المجتمعات الحديثة،ص 13).
9-توضح بعض الملاحظات العامة، ودراسات بعض المناطق الحضرية في العالم تأثير النمو الحضري على ارتفاع التلوث في المنطقة الحضرية نتيجة ما تنفثه عوادم السيارات، ومداخن المصانع، وبعض الخدمات، ولهذا تحتاج المدينة المنورة وغيرها من المدن السعودية التي تقارب ظروفها حالة المدينة إلى دراسات تأثير النمو الحضري على البيئة الحضرية والزراعية في المدينة، لتحديد التأثير السلبي للملوثات في التربة والماء والإنتاج والإنسان، حتى نستطيع الوصول إلى رأي قاطع في تحديد استراتيجية تحدد عمليات النمو الحضري والزراعي.
10-لقد اتضحت أهمية الثروة الحيوانية التي تربى في المزارع في تلبية احتياجات السكان المتزايدين طبيعياً وعن طريق الهجرة في المدينة، مما يدفع إلى اقتراح الاهتمام بهذه الثروة وزيادة مخرجاتها من هذه المزارع، حتى ترفع من دخل أصحابها وتعوض أي نقص في مخرجات المنتجات الزراعية الفصلية، مع استمرار تطوير نظام الزراعة التقليدية التي تمول المدينة بالخضراوات والأعلاف ونباتات الزينة التي يزيد استهلاكها في المدن العصرية. وقد يواجه اقتراح زيادة الاهتمام بالثروة الحيوانية في المزارع داخل المدينة باعتراض بعض السكان، أو ممثلي البيئة من أن هذه الحيوانات ومخلفاتها تنتج روائح تجعل السكن غير مريح قرب هذه المزارع. ولكن يمكن التغلب على ذلك بسهولة باستخدام نظام حظائر تستخدم التقنية الحديثة لتساعد في فلترة الهواء والأبخرة المنبعثة منها،والتحكم في انتشار الحشرات والقوارض. وهذه العمليات من مسؤوليات المزارع والسلطات البلدية في المدينة.
11-إن تنفيذ بعض التوصيات في هذه الدراسة أمر ليس سهلاً. فمن البداية لابد من تحديد هدف التنمية الحضرية في المنطقة، هل نريدها على النمط الغربي،أم نريد بقاءها على النمط التقليدي،أم تأخذ من الاثنين؟. ولعل الأخيرة هي أفضل الوسائل مناسبةً لمدينة ذات جذور تاريخية عريقة وتطمح إلى مواكبة حياة العصر. ولهذا لابد من تأسيس علاقات عمل بين الباحثين وأصحاب القرار لتحديد التحوير المناسب للبيئة الحضرية والزراعية،وبالتالي آليات خلق جيل جديد من المزارعين الحضر. وإذا ما توافر الدعم المالي الكافي سيتمكن الباحثون وأصحاب القرار من الوصول إلى خطط تحقق طموحات أفراد المجتمع دون تعارض أو اختناق،بمعنى أننا لا نقوم بالمعالجة بعد أن تقع المشكلة وتتدهور البيئة، فحينئذ سيندم الباحث وصاحب القرار يوم لا ينفع الندم. وحتماً تحتاج كل آليات التخطيط والتصميم والتنفيذ هذه إلى قاعدة معلومات شاملة، تساعد صانع القرار والباحث والمخطط والمنفذ في ممارسة عمله بيسر وسهولة. وقد أحسنت أمانة المدينة المنورة صنعا حينما تبنت إنشاء قاعدة معلومات للمدينة المنورة تضم بيانات تفصيلية متنوعة، والمهم ليس في إنشاء القاعدة فقط، وإنما في تحديثها بصورة مستمرة، وجعلها في متناول من يحتاجها دون تعقيدات روتينية تجعل الباحث يمل المماحكات الإدارية، ويصرف النظر عن بيانات يمكن أن تكون أساسية ومفيدة جداً لأي دراسات وبرامج تنموية.

المراجع:   
                                                                                     
  - السيوطي،أبو الفضل جلال الدين بن عبد الرحمن بن أبي بكر ( 849-911هـ)، 1417هـ، اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة، دار الكتب العلمية، بيروت ( تخريج وتعليق أبو عبد الرحمن صلاح بن محمد بن عويضه).
-     إبراهيم،عبد الباقي،2000م،"نحو نظرية جديدة في تنمية المجتمعات الحديثة"،المدينة العربية،ع97، ص ص 6-13.
- إدارة الإحصاء والبحوث،1419هـ، إحصائيات البلديات،وزارة الشؤون البلدية والقروية، وكالة الوزارة للتخطيط والبرامج،الرياض.
- إدارة الدراسات الاقتصادية والإحصاء،1999م،التعداد الزراعي الشامل:تقرير جمع البيانات، تقرير غير منشور،مديرية الشؤون الزراعية،المدينة المنورة.
-       آل الشيخ،صالح بن عبد العزيز،1420هـ،موسوعة الحديث الشريف،دار السلام للنشر والتوزيع، الرياض.
- الألباني،محمد ناصر الدين،1399هـ،سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة،المكتب الإسلامي،بيروت.
-      الآلوسي،محمود شاكر،دون تاريخ،بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب،ط3،دار الكتب الحديثة،القاهرة.
-  الأنصاري،ناجي محمد حسن،1416هـ،عمارة وتوسعة المسجد النبوي الشريف عبر التاريخ، نادي المدينة المنورة الأدبي،رقم 95،المدينة المنورة.
- ابن النجار،أبو عبد الله محمد بن محمود،1401هـ،أخبار مدينة الرسول،ط3،مكتبة الثقافة،مكة المكرمة(تحقيق صالح محمد جمال).
-   ابن شبة،أبو زيد عمر(ت 262هـ)،1417هـ،كتاب تاريخ المدينة المنورة،دار الكتب العلمية، بيروت.
-  ابن قيم الجوزية،أبو عبد الله شمس الدين محمد(691-751هـ)،1407هـ،زاد المعاد في خير العباد،ط15،مؤسسة الرسالة،بيروت(تحقيق وتخريج شعيب الأرنؤوط،وعبد القادر الأرنؤوط).
-   حافظ،علي،1405هـ،فصول من تاريخ المدينة المنورة،ط2،شركة المدينة المنورة للطباعة والنشر،جدة.
-  الخياري،أحمد ياسين،1411هـ،تاريخ معالم المدينة المنورة قديماً وحديثاً،نادي المدينة المنورة الأدبي،رقم59، المدينة المنورة(تعليق وتخريج عبيد الله محمد كردي).
- الرويثي،محمد بن أحمد،1413هـ،"جوانب من الشخصية الجغرافية للمدينة المنورة"، المنهل، م54،ع499،ص ص84-105.
- الزركشي،محمد بن عبد الله(745-794هـ)،1384هـ،إعلام الساجد بأحكام المساجد،المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية،القاهرة(تحقيق أبي السقا مصطفى الرازي).
- السرياني،محمد بن محمود،1418هـ،"المدينة المنورة:دراسة في تطور النمو الحضري"،في الرويثي،محمد بن أحمد وخوجلي،مصطفى محمد(محرران)،المدينة المنورة:البيئة والإنسان،دار الواحة العربية،المدينة المنورة،ص ص158-253.
-    السمهودي،نور الدين،1393هـ،وفاء الوفاء بأخبار المصطفى،ط2،دار إحياء التراث العربي، بيروت.
-    شعبة الإحصاء والاقتصاد الزراعي،1382هـ،نتائج الحصر الزراعي،وزارة الزراعة والمياه، الرياض.
-  الطحاوي،أبو جعفر أحمد بن محمد(ت 321هـ)،1414هـ،شرح معاني الآثار،عالم الكتب، بيروت (تحقيق محمد زهري النجار، ومحمد سيد جاد الحق).
-     طه،حاتم عمر،1413هـ،"ملامح من فن العمارة في المدينة المنورة"،المنهل،م54،عدد499،ص ص62-69.
-   العزامي،خليل إبراهيم ملا،1421هـ،ساكن المدينة المنورة منزلته ومسؤوليته،دار القبلة للثقافة الإسلامية،جدة.
-    عزب،خالد محمد،1413هـ،"المدينة المنورة.. العمارة النبوية"،المنهل،م54،عدد499،ص ص 56-60.
-    علاقات الملاك،دون تاريخ،مركز طيبة السكني والتجاري،مطابع الصناعات المساندة،الدمام.
-     علي، زين العابدين،1420هـ، مبادئ تخطيط النقل الحضري،دار صفاء للنشر والتوزيع، عمان.
-     علي،زين العابدي،1999م،مبادئ تخطيط النقل الحضري،دار صفاء للنشر والتوزيع،عمان.
-    العمري،عبد العزيز بن إبراهيم،1985م،الحرف والصناعات في الحجاز في عصر الرسولe، مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربية،الدوحة.
-   غراب،يوسف خليفة،1413هـ،"المسجد النبوي والعلاقات اللونية"،المنهل، م54،ع499،ص ص48-54.
-  المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة،1999م،مشروع محطتي التحلية بالتبخير الوميضي والتناضح العكسي ومحطة توليد الطاقة الكهربائية،المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة،الرياض.
- المحرر،1420هـ،"دراسة الخواص الجيوفيزيائية والهيدرولوجية لشمال غربي المدينة المنورة"، العلوم والتقنية،م13،عدد50،ص54.
- المحرر،1421،"المدينة المنورة:آفاق التنمية الإقليمية المستقبلية لعام 1450هـ"،أهلا وسهلا، م24،عدد12،ص ص32-38.
- مصلحة الإحصائات العامة،1397هـ،التعداد العام للسكان 1394هـ/1974م:البيانات التفصيلية-منطقة المدينة المنورة،وزارة المالية والاقتصاد الوطني،الرياض.
-  مصلحة الإحصاءات العامة،1417هـ،النتائج الأولية للتعداد العام للسكان والمساكن لعام 1413هـ، وزارة التخطيط،الرياض.
- مصلحة المياه والصرف الصحي بمنطقة المدينة المنورة،1421هـ،معلومات عن المياه والصرف الصحي بالمدينة المنورة،تقرير غير منشور،4ص ص.
- معهد بحوث الفضاء،1987،2000م،بيانات القمر الأمريكي لاندسات، المسار170، الصف 43، المركز السعودي للاستشعار عن بعد،مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية،الرياض.
- مكي، محمد شوقي بن إبراهيم،1417هـ،"النمو العمراني وتأثيره على المعالم الحضارية في المدينة المنورة"،المدينة العربية وتحديات المستقبل،المعهد العربي لإنماء المدن،الرياض،ص ص639-660.
- مكي،محمد شوقي بن إبراهيم مكي،1408هـ،"توزيع الحدائق العامة في المدينة المنورة"، الدارة، م14،عدد1،ص ص192-207.
-   مكي،محمد شوقي بن إبراهيم،1405هـ،أطلس المدينة المنورة،جامعة الملك سعود،الرياض.
-  مكي،محمد شوقي بن إبراهيم،1405هـ،سكان المدينة المنورة،دار العلوم،الرياض.
-  مكي،محمد شوقي بن إبراهيم،1413هـ،"الحدائق العامة في المدينة المنورة"،ملف العقيق، م2، عدد 3-4،ص ص133-140.
- الهيثمي،نور الدين علي بن أبي بكر(ت 807هـ)،دون تاريخ،مجمع الزوائد ومنبع الفوائد،ط3،مؤسسة المعارف،بيروت.
-   وكالة تخطيط المدن،1409هـ،أطلس المدن السعودية:النطاق العمراني،وزارة الشؤون البلدية والقروية،الرياض.
-  يوسف،درويش إبراهيم،1999،"مدن تحل أزماتها البيئية"، المدينة العربية،عدد91،ص ص18-25.
- Bookchin,M.,1987, The Rise of Urbanization  and Decline of Citizenship,Sierra Club Books,San Francisco.                                                                                             
Cooper, D.,1999,”Keeping an Eye on Nature", Durham First,No.9,pp.10-11.           -
          - Encyclopaedia Britannica Co. Ltd.,1929, Encyclopaedia Britannica,14th ed., 
Losada, H.,et al.,1998,”Urban Agriculture in the Metropolitan Zone of Mexico City:- Changes over Time in Urban, Suburban and Peri-Urban Areas", Environment and     Urbanization,Vol.10,No.2,pp.37-54.                                                                              
 - Makki,M.S.,1982,Medina-Saudi Arabia: A Geographical Analysis of the City and  Regions, Avebury, London.
  Philby, H.St.J.B., 1946, A Pilgrim in Arabia, Robert Hale Ltd., London.- - Philby, H. st.J.B.,1933,”Mecca and Medina”, Jour. Of the Royal Central Asian Society, Vol.10, pp.504-518.                                                                                    
Roth,G.,1999,”Combating Congestion with Cash", Urban Age,Vol.7,No.2,pp.4-6. -



([1]) - جاء في زاد المعاد في فصل"في ذكرى الهجرتين الأولى والثانية" في رواية طويلة منها:"ركب ناقته وسار،وجعل الناس يكلمونه في النزول عليهم، ويأخذون بخطام الناقة،فيقول:}خلوا سبيلها فإنها مأمورة[،فبركت عند مسجده اليوم وكان مربداً لسهل وسهيل غلامين من بني النجار(ابن قيم الجوزية،أبي عبد الله شمس الدين محمد،زاد المعاد في خير العباد،ج1،ص ص69،856).
([2]) - يقع جبل أحد على بعد نحو 5, 5كم من المسجد النبوي الشريف ويرتفع عن المناطق المحيطة به بنحو 480م،ويمتد على طول نحو 8كم. أما جبل عير فيقع على بعد نحو 8كم من المسجد النبوي ويرتفع عن المناطق المحيطة به بنحو 955م بطول نحو 3كم. وهناك جبل سلع الذي يبعد نحو 5,.كم عن المسجد النبوي ويرتفع نحو 80م عن المنطقة المحيطة به. وقد تآكلت أجزاء كبيرة من هذا الجبل نتيجة مشروعات التطوير والتنمية في المنطقة المركزية للمدينة المنورة.
([3]) - ذكر السيوطي ما روي عن ابن عباس: "أن رسول اللهe قال لجبريل:]سل ربك أي البقاع خير وأي البقاع شر[،فغاب عنه جبريل،ثم أتاه فقال له:لقد وقفت اليوم موقفاً لم يقفه ملك قبلي كان بيني وبين الجبار تبارك وتعالى سبعون ألف حجاب، من نور الحجاب يعدل العرش والكرسي والسموات والأرض بكذا وكذا ألف عام،فقال أخبر محمداً أن خير البقاع المساجد وشر البقاع الأسواق". ولكن في سند الحديث عثمان بن عبد الله فإن كان هو الأموي الشامي فهو ممن يروي الموضوعات عن الثقات(السيوطي، أبي عبد الرحمن جلال الدين،اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة،ج1،ص23).
([4]) - تضاعف عدد السكان بين سنتي 1350-1382هـ 4, 2مرة، ثم تضاعف بين سنتي 1382-1413هـ 5, 8 مرة(شكل رقم 7).
([5]) يشير أحمد زعفراني أحد تجار العقار في المنطقة إلى أن سعر المتر المربع في منطقة العيون كان في بداية التسعينات من القرن الرابع عشر الهجري يساوي 30 ريالاً، ثم انخفض مع منتصف التسعينات إلى 25 ريالاً، ثم ارتفع بعد ذلك إلى أقصى حد 130 ريالاً، مع أنه ارتفع كثيراً في مناطق أخري في المدينة إلى نحو 250-350ريالاً.
([6])  أول ما استعملت مكائن السحب السطحية في بداية الأربعينات من القرن الرابع عشر الهجري،ثم استخدمت مكائن السحب من الأعماق في سنة 1374هـ(حافظ،علي،فصول من تاريخ المدينة المنورة،ص ص276،277).
([7]) الدونم =1000م2.
([8]) تمثل سنة 1987م أقدم صورة فضائية متوفرة عن المدينة المنورة، بينما تمثل سنة 2000م أحدث صورة متوفرة وقت إتمام هذه الدراسة لدى معهد الفضاء بمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بالمملكة العربية السعودية.
([9]) - مساحة المزرعة 50489م2، وأجريت المقابلة في 13/6/1421هـ.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا