التسميات

السبت، 7 مايو 2016

التطوُّر العمراني لمدينة الرياض - م. مساعد بن عبدالرحمن العنقري ...


التطوُّر العمراني لمدينة الرياض

م. مساعد بن عبدالرحمن العنقري

مقدمة:

  نشأتْ مدينة الرياض - عاصمة المملكة العربية السعودية - في بداياتها على أنقاض مدينة حجر في إقليم اليمامة، وقد وصفَها الهمذاني في كتابه "صفة جزيرة العرب": بأن مدينة حجر كانت تقع بين وادي الوتر، ووادي العرض - وادي الوتر المعروف الآن بالبطحاء، أما العرض فهو وادي حنيفة، ويسمى أيضًا الباطن - وأنها مقر ولاة اليمامة، وكانت سوقًا يَفِد إليها العربُ في الجاهليَّة، وفي صدْر الإسلام.

  وفي القرن الثاني عشر الهجري أُطلق اسم الرياض على المحلات القديمة من مدينة حجر، وهي: معكال، ومقرن، والعود، وما حولها.

  ومنذ أنْ أصبحت الرياض عاصمة للدولة السعودية الثانية عام 1187هـ / 1773م، كان نموها يسير ببطْء، ثم أصبحتْ تنمو بمعدلات كبيرة في عهد الدولة السعودية الحديثة 1338هـ / 1920م؛ حيث اتسعتْ مساحتُها من نحو كيلو متر مربع، يقيم بها قرابة عشرة آلاف نسمة، إلى حوالي ثمانية كيلو مترات مربعة، تضم حوالي ستين ألف نسمة.

  وتمثل مدينة الرياض في مجال التطور الحضري والنمو العمراني نموذجًا فريدًا لنشأة مدينة عالمية كبرى في نحو نصف قرن من الزمان، وهو إنجازٌ حضاري وعمراني غير مسبوق فيما هو متعارف عليه في نشأة المدن.

مراحل النمو لمدينة الرياض:

يُمكن أن تحدد مراحل النمو بخمس مراحل رئيسة:

المرحلة الأولى:

  توضح هذه المرحلة خريطة عملتْ في عام 1335هـ / 1919م، يتبين منها أن مدينة الرياض محاطة بسور به أبراج حراسة، وبه بوابات تؤدي إلى الخارج، وإلى البساتين التي كانتْ تحيط بالمدينة، وتوضِّح الخريطة أن شكل مدينة الرياض مستطيل من الشمال إلى الجنوب، بطول حوالي (1125) مترًا، وبعرض (750) مترًا من الشرق إلى الغرب، وبها شارعان رئيسان: أحدهما منَ الشمال إلى الجنوب، والآخر من الشرق إلى الغرب.

المرحلة الثانية:

  شهدتْ هذه المرحلة في عام 1364هـ / 1944م أول عمل تخطيطي منظم نسبيًّا بتوفير قطع أراضي سكنية؛ حيث قام المسؤولون في البلدية بتخطيط المنطقة الواقعة بين الرياض ومنفوحة إلى قطَع سكنية مقاساتها (8 × 8م)، وخصصت لتوطين القادمين إلى الرياض من أبناء البادية والقرى المجاورة، وتمتْ إزالة أسوار مدينة الرياض القديمة عام 1369هـ / 1949م؛ وذلك للسماح للمدينة بالنمو؛ لاستيعاب الأعداد الكبيرة من السكان القادمين إليها.

  ولتسهيل مهمة الوصول إلى الرياض والخروج منها، قامتِ الحكومة بتشييد شبكة من الطرق المعبدة تربط المنطقة الشرقية والمنطقة الغربية بمدينة الرياض، كما تَمَّ في عام 1373هـ / 1953م افتتاح خط السكة الحديد الذي يربط مدينة الدمام بمدينة الرياض؛ وحتى يتم ربط المدينة بالعالم الخارجي، وكذلك لتسهيل الوُصُول إليها من الداخل، فقد تَمَّ في عام 1373هـ / 1953م افتتاح مطار الرِّياض القديم من الجهة الشمالية من المدينة على بُعد حوالي عشرة كيلو مترات من مرْكزها.

المرحلة الثالثة:

  تعتبر هذه المرحلة هي البداية الحقيقية لنموِّ واتِّساع مدينة الرياض، فقد تَمَّ خلالها تشييد مباني الوزارات في الجزء الشمالي من المدينة على طريق الملك عبدالعزيز، وقد حدث نموٌّ كبير خارج المنطقة المركزية، وأُنشئتْ بعض الأحياء السكنية التي خططت على نظام أحدث، حيث راعى المخططون أن تكونَ الشوارع عريضة، لاستيعاب حركة السيارات، كذلك عدل في هذه الأحياء نمط البناء التقليدي؛ حيث شيدت المنازل الحديثة المبنيَّة من الخرسانة المسلحة، والطوب الإسمنتي، أو الفخاري مع وجود ارتدادات تسمح بإقامة حديقة تحيط بالمنزل، وفي هذه المرحلة وصلت مساحة المدينة إلى حوالي خمسة وأربعين كيلو مترًا مربعًا.

المرحلة الرابعة:

   تأتي هذه المرحلة فيما بين عام 1388هـ إلى عام 1396هـ، (1968 - 1976م)، وهي نتيجة طبيعية للنمو العمراني المتزايد للمدينة، خصوصًا عند نهاية المرحلة الثالثة، ونظرًا للتوسُّع الذي شهدته المدينة في هذه المرحلة، فقد قام المسؤولون في المدينة بالتفكير جديًّا في وضْع مخطط عام يتم بموجبه توجيه النموُّ العمراني للمدينة، وقد أنجز هذا المخطط العام مع نهاية هذه المرحلة، وشمل منطقة تصل مساحتها إلى (304 كم2)، وقد ظن المخططون أن هذا المخطط سوف يواكِب نمو المدينة حتى عام 1420هـ / 2000م، وروعي في هذا المخطط استعمالات الأرض، فقد حددت المناطق السكنية والتجارية والصناعية وغيرها من الأنشطة.

المرحلة الخامسة:

  في هذه المرحلة التي تبدأ من عام 1396هـ / 1976م حتى الوقت الراهن، شهدتْ مدينة الرياض توسُّعًا كبيرًا، ونموًّا مذهلاً فاق كل التوقعات، فحركة البناء والتشييد تسير بمعدلات تكاد لا تضاهيها في ذلك أيُّ مدينة في العالم؛ فقد وصل عددُ رخَص البناء التي تصدرها الأمانة للمواطنين لبناء المنازل ذات الوحدة السكنية الواحدة، والعمارات ذات الأدوار المتعدِّدة، والمباني التجارية إلى حوالي مائة رخصة يوميًّا، واستمر هذا المعدَّل تقريبًا إلى عام 1403هـ، ثم انخفض هذا المعدل إلى حوالي سبعين رخصة بناء في اليوم، وهو لا يزال مُعدلاً كبيرًا إذا قُورن بالمعدلات العالمية.

  وقد تخطت مدينة الرياض ما كان مخططًا لها سابقًا، وزادت مساحتها عما كان متوقعًا سابقًا (304 كم2)، ومن هذه الحركة الدائبة في البناء والتشييد نجد أن معدل النمو السكاني في مدينة الرياض يصل إلى 8 %، بينما المعدلات العالمية في حدود 3 %، وهي زيادة تكاد تصل إلى ثلاثة أضعاف المعَدَّلات العالمية، وهذا ما دعا المسؤولين في المدينة إلى الدعوة لتَوْجِيه بعض النشاط الصناعي والتعليمي إلى مُدُن متوسطة في نفس المنطقة، للتخفيف من الزحف السكاني على مدينة الرياض، وفي هذه المرحلة وصلتْ مساحة المدينة إلى (1800 كم2)، أكثر من نصف هذه المساحة أراضٍ بيضاء لَم تُعَمَّر بعدُ.

التنظيم العمراني:

  تطور أسلوب البناء في مدينة الرياض، واستبدلتْ مواد البناء القديمة المتمثِّلة في الطين بمواد خرسانية، واستعيض عن الأسقف الخشبية بأسقف من الخرسانة المسلحة، وهذا التغيُّر في أسلوب البناء والعدد الكثير من المباني استدعى وضع أنظمة للبناء، تحدد بموجبها استعمالات الأراضي على مُخطط المدينة، ويحدد أيضًا ارتفاع المباني، ونسبة ما يبنى من الأرض، وما يترك كحدائق ومنافع للمبنى مثل المواقف، وقد قسم المخطط العام لمدينة الرياض الذي أعد عام 1392هـ / 1972م بحسب استعمالات الأراضي إلى مناطق سكنية ذات كثافة سكانية قليلة، وهي المساكن المنفَصلة المكونة من دورين التي تشكل النسبة الكبرى من المناطق السكنية في مدينة الرياض، ومناطق سكنية وتجارية ذات كثافة أكثر، وهي مكونة من عمارات ذات أدوار متَعَدِّدة، يخصص غالبًا فيها الدور الأرضي إلى متاجر، وبقية الأدوار إما شققًا سكنية، وإما مكاتب، وهناك المناطق المخَصصة للأغراض الصناعية أو للتخزين (المستودعات)، وللعناية بالمباني من حيث التصميمُ الإنشائي والمعماري، وما ينتج عنه من مبانٍ جيدة، وذات أشكال عمرانية جميلة، فقد اهتمتْ أمانة مدينة الرياض بمكاتب التصميم الهندسي، وصنفتْ إلى مكاتب استشارية، ومكاتب هندسية حسب الخبرة، وحجم المكتب، وخبرة العاملين فيه، فالمكتب الاستشاري عادةً يكون لدَيْه القدرة على تصميم المنشآت الكبرى، أما المكاتب الهندسية فيقتصر عملُها على المباني الأصغر حجمًا، وجميع المكاتب ملْزَمة بتطبيق نظم البناء في مدينة الرياض، وتراجع التصاميم من قبل الجهاز الهندسي في الأمانة قبل إعطاء الرخصة لصاحبها؛ كما أن عددًا من المباني المقامة في مدينة الرياض، أو التي تحت التنفيذ الآن، تَمَّ تصميمُها من قبَل شركات استشارية عالمية.

  وقد تطوَّرَت العمارةُ في مدينة الرياض من ناحية التصاميم ومواد البناء، وأصبحتْ تُضاهي عواصم العالَم المتقدِّم مع الحفاظ على لمسات الطابع العمراني التقليدي.

شواهد من التطوُّر العمراني لمسيرة التنمية والتطوُّر في مدينة الرياض:

  يلاحظ العديد من الشواهد على ذلك التي تتمثَّل في المشاريع الكبيرة، إضافة إلى ما جرى الحديث عنه من التطوُّر العمراني في الأساليب التي اتبعت في نمط البناء ونظامه، ومن هذه المشاريع المهمة: تطوير وسط المدينة، وهو ما يُعرَف بمشروع قصر الحكم، الذي قسم إلى ثلاث مراحل، ونظرًا لأهمية هذا المشروع، وكِبَر حجْمه - مقارنة بمشاريع مماثلة في عواصم عالمية - فيستحسن ذكر هذه المراحل باختصار:

المرحلة الأولى:

  تشمل هذه المرحلة إنشاء المباني الإدارية الثلاثة لكل من الإمارة، والأمانة، والشرطة، وقد بدأ التخطيط وعمل الدراسات الأولية في عام 1394 هـ، وكان جهازُ الأمانة الهندسي هو الذي يتابِع هذه الدراسات مع الاستشاري العالمي (الإيطالي)، وبإشراف من الهيئة العليا لتطْوير مدينة الرياض تَم إحداث مكتب خاص مرتبط بالهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، يتولَّى متابعة التصاميم النهائية، وطرْح المشروع في مناقصة، ثم دُمِجَ هذا المكتب مع مكتب مشروع وزارة الخارجية والسفارات وإدارة التخطيط الحضري بأمانة مدينة الرياض، هذه المكاتب الثلاثة دمجت في مكتب سُمِّي: مركز المشاريع والتخطيط، تحت إشراف الهيئة العليا لتطْوير مدينة الرياض، وتولَّى هذا المكتب الإشراف على التنفيذ مع التعديلات التي أدخلها على التصميم يومئذ، وقد انتهى العملُ في هذه المرحلة في عام 1406 هـ.

المرحلة الثانية:

تتكوَّن هذه المرحلة من مبانٍ:

  المسجد الجامع الكبير (مسجد الإمام تركي بن عبدالله)، ومبنى قصر الحكم، والساحات المحيطة بهما، وقد انتهى العمل في هذه المرحلة في عام 1411 هـ، وافتتحها خادِمُ الحرمَيْن الشريفَيْن في احتفال كبيرٍ أُقيم في قصر الحكم بهذه المناسبة.

المرحلة الثالثة:

  تتكوَّن هذه المرحلة منَ المباني التجارية والسكنيَّة، وقد كان منظورًا أثناء التخطيط لتطوير وسط المدينة أن يكون هناك مبانٍ سكنية وتجارية، بالإضافة إلى المسجد، والمباني الإدارية، حتى تكون المنطقةُ دائمة الحيوية والحركة ليلاً ونهارًا، وقد تكوَّنَ لهذا الغرض شركتان هما:

1- الشركة السعودية لمركز المعيقلية التجاري:

  وقد تأسَّستْ هذه الشركة في عام 1405 هـ، شركة ذات مسؤولية محدودة تملكها كل مِن أمانة مدينة الرياض، صندوق معاشات التقاعُد، والشركة السعودية العقارية، والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بنسب متساوية.

2- شركة الرياض للتعمير:

  وهي شركة مساهمة صدرت الموافقة السامية على تأسيسها في عام 1412 هـ، وقد نصَّ في نظامِها على أن أصحاب العقارات الذين تقع عقاراتهم في منطقة التطوير التابعة لهذه الشركة لهم الحق في الاكتتاب بكامل قيمة عقاراتهم أو بعضها، أو أخذ قيمتها من الشركة إذا لم يكن لديهم الرغبة في المساهَمة، وقد بدأت الشركةُ العمل في مشروعها في وسط المدينة في عام 1416 هـ، ومن المفترض أن ينتهيَ في هذا العام - إن شاء الله.

ومن شواهد التطوُّر العمراني:

  مشاريع عملاقة أخرى، نُفِّذَت في مدينة الرياض؛ مثل: حي السفارات، وجامعة الملك سعود، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ومطار الملك خالد الدولي، إضافة إلى مشاريع عمرانية متميزة يقوم بتنفيذها القطاعُ الخاص؛ منها: ما أُقيم سابقًا، ومنها ما هو تحت التنْفيذ؛ مثل: برج مؤسسة الملك فيصل الخيرية، وبرج المملكة اللذَيْن سيُصبحان مَعْلَمَيْن في مدينة الرياض بعد اكتمالهما، كذلك فإنَّ شرايين الحياة في مدينة الرياض - هي الطرُق والشوارع - قد تطورتْ بشكل كبير، وبلغت في تميُّزها وحسن تخطيطها درجة تُضاهي مثيلاتها في كبريات مدُن العالم المتقدِّم، وأسوق مثالاً واحدًا لهذه الطرق: وهو الطريق الدائري الذي يبلغ طوله (94 كم)، وعرضه مائة متر، ولا ننسى أيضًا المنتزهات والحدائق التي تعتبر الرئة لمدينة الرياض.

  هذه نبذة عن التطوُّر العمراني لهذه العاصمة العريقة درة الصحراء، وعروس المدائن، أدام الله على بلادنا نعمة الأمن والإيمان، ووفَّق الله القائمين على هذه البلاد لِمَا فيه الخير والسداد.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا