التسميات

الثلاثاء، 10 مايو 2016

الفصل الأول . جغرافية المدن في مطلع القرن الحادي والعشرين - أ.د. فتحي محمد مصلحي ...




الفصل الأول : جغرافية المدن في مطلع القرن الحادي والعشرين

 الثورة والعدالة ومصر 2100 - بقلم أ.د. فتحي محمد مصلحي - من الطبعة الجديدة من كتاب جغرافية المدن :

الفصل الأول : جغرافية المدن في مطلع القرن الحادي والعشرين

(1-1) نطاق الجغرافيا الحضرية وحدودها :
(2-1) تعريف كلمة حضري 
(3-1) مكانة الحيز
(4-1) قيمة البعد الحضري :
(5-1) موجز تاريخ جغرافيا الحضر
(6-1) البحث عن أرضية مشتركة 
(7-1) مستويات التحليل في الجغرافيا الحضرية :

مقدمة:

  يعرض هذا الفصل المدخلي لعدة مباحث تتعلق بجغرافية المدن في مطلع القرن الحادي والعشرين ، ويتضمن نطاق الجغرافيا الحضرية وحدودها، تعريف كلمة حضري، ومكانة الحيز، قيمة البعد الحضري، وموجز تاريخ جغرافيا الحضر، والبحث عن أرضية مشتركة، وأخيرا مستويات التحليل في الجغرافيا الحضرية. 

(1-1) نطاق الجغرافيا الحضرية وحدودها :

  يهتم الجغرافيون الحضريون بتعريف وشرح توزيع المدن والبلدات والتشابهات الاجتماعية المكانية والتقابلات المتضادة التي توجد داخلها وبينها. وبهذا نجد أن هناك اتجاهين في الجغرافيا الحضرية:

  الأول يشير إلى التوزيع المكاني للمدن والبلدات والصلات بينها – أي دراسة منظومات المدن. 

   يشير الثاني إلى البنية الداخلية للأمكنة الحضرية، أي دراسة المدينة كمنظومة.
 
   ويمكن تعريف الجغرافيا الحضرية من حيث الجوهر على أنها دراسة المدن كمنظومات داخل منظومة المدن . 

  وترتبط جغرافية الحضر بعلوم شتى تهتم بالمدينة والحياة الحضرية بما يتطلب وجود اتجاه تجميعي وتوفيقي لتحليل الأماكن الحضرية يمتد إلى ما وراء الجغرافيا ليضع نتائج بحثية ومعارف على طول الحدود البحثية التقليدية للعلوم . هذه القوة التكاملية لجغرافية الحضر تعد سمة وخاصية جوهرية لهذا المبحث الفرعي . 

  الخاصية الرئيسية الثانية للتحليل الجغرافي للمدينة هي مركزية المنظور المكاني ، وهذا يميز الجغرافيا الحضرية عن المناطق المشتركة في الدراسة الحضرية . 

  إن أهمية الحيز SPACE تتغير حسب السياق، فمثلا لا يعد الموقع المكاني ذو أهمية في الحيز الأعلى hyper space الإلكتروني الذي تشغله تدفقات الأموال بين المدن في الاقتصاد الكوني لكنه قد يكون ذو أهمية عظمى في انتشار الأمراض المعدية بمناطق الاستيطان العشوائي في العالم الثالث . والمنظور المكاني للجغرافيا الحضرية له قيمة تحليلية حقيقية، كما يري 1985 massey إذ يقول أن العالم لا يوجد فوق رأس دبوس . 

(2-1) تعريف كلمة حضري 

  عند معالجة مفهوم الحضري من المفيد التفريق بين مسألة الحيز الحضري وماهيته ومسألة ما هو حضري ، وهذا ليس مجرد تساؤل حول المعاني، فالتمييز بين ماهو حضري ككيان ملموس وما هو حضري كنوعية وخاصية يجعلنا نفهم مدى تعقد الحياة الحضرية و يوضح الاتجاهات المختلفة لدراسة المدن .
 
(1-2-1)الحضر ككيان أو ماهية :

هناك أربعة طرق رئيسية لتعريف الأماكن الحضرية : 

حجم السكان : بما أن الأماكن الحضرية أكبر عموماً من الأماكن الريفية ، يجب تحديد إمكانية متي تصبح القرية بلدة Town ، وذلك عند نقطة معينة على مقياس حجم السكان . هذه العتبة لسكان الحضر تتنوع وتختلف حسب الزمان والمكان ، ففي السويد تصنف أية منطقة سكانية يقطنها أكثر من 200 نسمة كمنطقة حضرية في التعداد القومي بينما في الولايات المتحدة يعد الحد الأدنى 2500 نسمة لكي تصبح المنطقة حضرية . وفي سويسرا الحد الأدنى 10000 وفي اليابان 30000 . هذا التنوع يعكس السياق الاجتماعي، هذه الاختلافات قد تجعل المقارنات الدولية معقدة إن لم يتم توضيحها . 

القاعدة الاقتصادية : ففي الهند مثلاً ، لابد أن يكون بالمنطقة السكنية أكثر من 70 % من السكان البالغين الذكور يعملون في أنشطة غير زراعية حتى تصنف المنطقة بأنها حضرية . 

المعايير الإدارية : غالبية بلدات ومدن العالم تعرف بحسب المعايير القانونية أو الإدارية. وتنوعها ينشأ عنه صعوبات في البحث المقارن. والمشكلة الثانية بشأن التعريفات الإدارية أنها قد لا تتفق كثيراً مع المدى الملموس الفعلي للمنطقة الحضرية . ومن المشاكل المتكررة التحديد القاصر Underbounding حيث تمتد المنطقة المبنية المنشأة من المدينة إلى ما وراء الحدود الإدارية الحضرية. 

التعريفات الوظيفية : لمعالجة مشاكل الحدود القاصرة والحدود الذائدة ابتكر الباحثون الحضريون المناطق أو الأقاليم الحضرية الوظيفية التي تعكس المدى الحقيقي للتأثير الحضري . ظهر مفهوم المنطقة الحضرية الممتدة لأول مرة على يد المكتب الأمريكي للتعداد عام 1910 ثم تطور ليصبح المنطقة الإحصائية الحضرية المعيارية SMSA عام 1960 ومنذ عام 1983 أصبح يسمى المنطقة الإحصائية الحضرية MSA . وتتكون المناطق الإحصائية الحضرية المدمجة CMSA من منطقتين أو أكثر من MSA . والولايات المتحدة تضم في تعريفاتها قياسات السكان والمركزية والوظيفة الاقتصادية .

   والجغرافيون في المملكة المتحدة حاولوا تعريف مجموعة مماثلة من " الأنظمة الحضرية اليومية " ، وحددت المحاولة الأولى مناطق العمل الحضرية المعيارية بأنها تضم القلب بالإضافة إلى الحلقة الحضرية وهما يشكلان معاً الأنظمة الحضرية اليومية ، وتطور هذا ليضيف حلقة خارجية تتكون من كل الهيئات المحلية التي تبعث بأفراد يسافرون إلى هذا القلب وليس إلى قلب آخر. فيُسمى كل هذا منطقة سوق العمل المحلية LLMA ، وهناك خطة مماثلة من حيث المفهوم تقوم على الأقاليم الحضرية الوظيفية التي استخدمت لمقارنة أنماط التحول الحضري العمراني في أوربا الغربية . 

(2-2-1)الحضر كنوعية أو خاصية :

  يرتبط مفهوم الحضر كنوعية حياة بمعنى الأماكن الحضرية وأثر البيئة الحضرية على أساليب عيش الناس، ورغم وجود المدن كأشياء ملموسة (بناء فيزيقي ملموس موضوعي وبناء معرفي أو ذاتي). لكن لكل منا مفهومه وتصوره عن المدينة، فالحيز الحضري الواحد يمكن النظر إليه بطرق مختلفة من جانب السكان والسياح والعمال وكبار السن والعاطلين والنساء والأطفال.

  وقد حاول الجغرافيون الحضريون وآخرون أن يحددوا المفهوم الحضري من خلال اتجاهين رئيسيين :-

رسم الخريطة المعرفية: استخدم الجغرافيون والمخططون وعلماء النفس البيئيون الخرائط الذهنية أو تقنيات رسم الخرائط المعرفية لاستكشاف العالم الذاتي للأماكن الحضرية ، مع النظر إلى الفهم الأفضل للسلوك البشري في البيئة الحضرية وتحسين نوعية الحياة الحضرية . 

الحضرية كمنهج حياة : قامت المجهودات الأولى لتحديد وتعريف الأماكن الحضرية حسب أسلوب حياة مميز على مفهوم ( 1938 ) Wirthحول المتصل الحضري الريفي والقائل بأن زيادة حجم وكثافة واختلاف الأماكن يزداد معه مستوى اللانظام والفوضى الاقتصادية والاجتماعية. وكان ويرث عضو مدرسة شيكاغو للإيكولوجيا البشرية. وعلى هذا تؤثر المدن بشكل خاص على سكانها. لكن مفهوم المتصل الريفي – الحضري لم يسلم من النقد :- 

- بسبب مركزيته الغربية (التي افترضت أن عملية التحول الريفي – الحضري تطبق عالمياً ) . 

- بسبب الدراسات التي أوضحت وجود مجتمعات قروية في المدن ( بما في ذلك أعمال Wirth نفسه حول الجيتو Ghetto ) . 

- الفشل في تحديد عملية التحول الحضري في سياق الاقتصاد السياسي للرأسمالية. 

  وحاول   (1985 ) Harvey و ( 1977 ) castells إعادة تفسير معنى كلمة حضري ، فطرحا جانباً مفهوم العلم الحضري المنفصل واستنتجا أنه في حين تتمتع الحضرية كأسلوب حياة يرتبط بالسكن في منطقة حضرية تتمتع ببنية وشخصية مميزة ، فإنها توجد في إطار أوسع تخلقه القوى الرأسمالية . وهذا معناه أن أساليب الحياة الحضرية يمكن أن تنتشر إلى ما وراء الحدود الفيزيقية للمدينة .

  ويعد التنوع المتأصل للحياة الحضرية أساسا في تصورات ما بعد الحداثة للمدينة أو التي تتميز بعمليات العولمة والاستقطاب الاجتماعي وتكنولوجيا الاتصالات . 

(3-1) مكانة الحيز

  عند محاولة إعادة تعريف الحضري بمصطلحات غير تجريبية وشرح معنى الحياة الحضرية ، يرفض هارفي وكاستل مفاهيم العبادة المكانية Spatial Fetishism والذي يعطي قوة سببية للمكان أو الحيز في حد ذاته في تحديد الفعل البشري . 

  لكن من المهم ألا نرفض إجمالاً قوة الحيز Space ، فهو أكثر من مجرد وسط تعتمل فيه العمليات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ويسهم مفهوم الأرضية Territoriality في تشكيل مناطق ثانوية مميزة داخل المدن، تنعزل عادة بحسب خطوط عرقية أو طبقية ، ولتقسيم الحيز من جانب الحكومات المحلية وحدودها له مغزاه بالنسبة للتركيبة الاجتماعية والصحية والمالية لمناطق مختلفة وكذلك نوعية حياة السكان. 

  ويري ( 1989 ) Massey أنه ليس ثمة عمليات مكانية محضة ولاً أية عمليات اجتماعية لا مكانية، ثم ظهر تحدي أكثر حداثة لدلالة وأهمية الحيز الجغرافي مع دخول عصر السايبر مثل وجود شبكة الإنترنت والتي يرى بعض المؤلفين أنه دمرت الصلة المفاهمية والفعلية للحيز أو الفضاء الحقيقي . 

  ويقال أنه بسبب ضغط ودمج الزمان والمكان ، يقوم السايبر أو الفضاء المتحكم Cyber Space بمحو آثار الانعزال الفيزيقي ليخلق فضاءات جديدة اجتماعية بلا مكان أو حيز أو فضاء ويتفاعل فيها البشر، ولشبكات السايبر مضامين مكانية قطعاً ، لكن القول بأنها تبشر بنهاية الجغرافيا، قول فيه شطط على الأقل لأنه في المجتمعات المتقدمة ذاتها هناك توزيع غير منتظم لصلات وشبكات السايبر ويتضح هذا من التقابل بين النخبة من المجتمعات المنعزلة فيزيقياً والذين يتمتعون بصلات كبيرة مع عالم المعلومات الكونية وبين المناطق الحضرية الخارجة عن خط الخدمة والقريبة من هذه المجتمعات مكانياً، ويقطن الفقراء هذه المناطق التي تتضح فيها بحق قيود الزمان والمكان والواقعية العميقة .
 
(4-1)قيمة البعد الحضري :

   ينظر الآن إلى ربط Wirth بين أساليب حياة معينة بأحجام استيطان مختلفة على أنها رؤية شديدة التبسيط بشكل غير مقبول . ويقول البعض بأن مفهوم الحضري أصبح لا حاجة له لأنه في المجتمعات الغربية على الأقل أصبحنا جميعاً حضريون بغض النظر عن مكان إقامتنا وعيشنا. أدي ذلك إلى استنتاج أنه ليس من المفيد ولا الملائم دراسة المدينة بحد ذاتها . 

  وإن طرحنا جانباً فكرة تصوير ذلك للنظرة الغربية للمجتمع المعاصر والتي لا تنطبق حتى الآن على جميع أنحاء العالم ، فإن القول بأن المدينة لا يمكن أن تكون ذات دلالة كوحدة للدراسة يؤدي إلى الخلط في مسألتين وهما :

- إذا كانت المدن تعد مواضيع للتحليل . 

- إذا كانت التفسيرات للظواهر الحضرية تتقيد بالمستوى الحضري . 

   ويوضح ( 1989 ) Agnew أن الإجابة بالنفي على السؤال الثاني لا تستلزم الإجابة بالنفي على السؤال الأول ، فقد نرفض فكرة التفسير الحضري بينما نقبل الحضري كموضوع صحيح للتحليل، إن المدن أماكن أو بالأحري تجمعات من الأماكن المتداخلة المتشابكة. وللأماكن أهميتها والعلاقات الاجتماعية تحدث في الأماكن وتسهم في تكوينها، والأفراد والأسر والمجتمعات والشركات والهيئات العامة توجد وتعمل في أماكن محددة، والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للبشر تدخل ضمن خصوصيات الأماكن المعينة. ونتائج القوى الهيكلية كونية المستوى تحدث في أماكن معينة، فالقول بأن المدن مجرد عناصر في نمط الإنتاج الرأسمالي قول يتجاهل التنويعات الهامة بين وداخل الأماكن الحضرية ، وكذلك كان الجانب المعقد من العوامل الاجتماعية والثقافية الضالعة في نشوء وإعادة بناء البيئات الحضرية .

   وتعكس الأراء الأحدث ضد الحضري كمرجعية الأراء التي ترفض قيمة الحيز وترى أن التقدم والتطور في تكنولوجيا الاتصالات عندما يصبح الزمان فوري وتلقائي فإن التجمع المكاني يصبح غير ضروري. هذه الرؤى الحتمية لتكنولوجيات المعلومات الجديدة والشكل الحضري الذي ظهر منذ ظهور التلغراف والتليفون واللاسلكي في القرن التاسع عشر، إن التكنولوجيات تسهم في إعادة بناء الحيز الحضري لكنها لا تجعله بلا ضرورة أو قيمة . ورؤى المدينة عديمة الحيز تفرط جداً في تقرير درجة حلول الواقع المطلق محل التفاعل المباشر وجه لوجه والذي يقوم على المكان ، ويستنتج أمين وجراهام ( 1997 ) أن المدينة المعاصرة التي تضم مجموعة هائلة من نقاط الدخول الاتصالية Telematic نحو عالم الفضاء الإلكتروني المتنامي تعد بوتقة العوالم الشخصية والعاطفية وكذلك الارتباطات الشخصية، فهي محرك الإنعكاسية Reflexivity والثقة والتبادلية. وفي حين ترتبط مدن كثيرة ومواطنون بالعالم الحضري اللامكاني الإلكتروني، فإن الشبكات الارتباطية القائمة على المكان والتي تعتمد على التفاعل الفيزيقي والتقارب والجوار، وهذه هي الخصائص الرئيسية للأماكن الحضرية ، هذه الشبكات تظل أساسية في تجربة الحياة الإنسانية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية . 

  والأهمية الجوهرية للبلدات والمدن كنقاط بؤرية في العالم المعاصر، في العوالم المتقدمة والنامية، تؤكد على أهمية البعد الحضاري وتؤكد على قيمة دراسة الجغرافيا الحضرية . 

(5-1) موجز تاريخ جغرافيا الحضر

  الجغرافيا الحضرية مبحث فرعي نشط يضم أفكار في الماضي واتجاهات ومفاهيم حديثة وقضايا لا تزال في طور التطور. ويمكن تشبيهها بمدينة بها أحياء من أعمار مختلفة هناك بعض الأحياء الراسخة التي يرجع تاريخها إلى قرن مضى وربما يحتاج إلى إصلاح، وهناك مناطق كانت حديثة، لكنها لم تعد معاصرة الآن ، بينما يتم إعادة تأهيل مناطق أخرى، وهناك أحياء تتوسع الآن بسرعة، وبعضها جيد البناء والبعض الآخر رديء. ومنذ أواخر السبعينيات أخذ نطاق الجغرافيا الحضرية يتسع بسرعة، ويري بعض الشراح أن التنوع المتزايد مصدر الضعف المحتمل الكامن الذي قد يؤدي في نهاية المطاف إلى التفكك، ويرى آخرون أن المنظور الواسع يعزز الجغرافيا الحضرية ومكانتها كبؤرة تكاملية للبحث في المدن. لقد كان اتجاه الجغرافيين الحضريين في دراستهم للمدينة ينبع عن عدد من المنظورات الفلسفية.

   فقد تغيرت أهمية ودلالة ممارسة الجغرافيا الحضرية مع الوقت، لكن أياً من الاتجاهات الرئيسية لم يستبعد أو يلقى جانباً تماماً واستمرت الأبحاث التي تتميز بوجود كل المنظورات وذلك تحت مظلة الجغرافيا الحضرية ومن المهم لدارسي الجغرافيا الحضرية معرفة فلسفات العلوم المختلفة المؤسسة لهذه المادة، وللمساعدة في فهم ذلك نبني مناقشتنا للطبيعة المتغيرة للجغرافيا المعرفية الرئيسية في هذا المبحث . 

(1-5-1)المذهب البيئي :

  في النصف الأول من القرن العشرين عكست الاهتمامات الكبرى للجغرافيا الحضرية الاهتمام الجغرافي الأكثر عمومية بالعلاقة بين البشر والبيئة، والاهتمام بالوصف الإقليمي وقد كانت الأبحاث الأولى حول الموقع الحضري والمكانة وحول أصول المدن ونموها، وكانت أبحاثا وصفية إلى حد كبير . ومن النصوص الإنجليزية الأولى في الجغرافيا الحضرية نصاً يضم تصنيف وتحليل أكثر من 200 بلدة بحسب موقعها ومكانتها وارتفاعها ومناخها، وبالرغم من بساطة هذه الأبحاث فإنها أفرزت قاعدة للممارسة الأكثر دقة من حيث المفاهيم للتحليل الحضري المورفولوجي الذي ظل يوضح أنماط النمو الحضري والتغيرات حتى الآن، وركزت دراسات الأنماط الإقليمية للإستيطان على أهمية شبكات المواصلات، وحول ذلك الإنتباه نحو اقتصاديات الموقع وليس العوامل البيئية، هذا بجانب أبحاث علماء اقتصاديات الأراضي. وتطور التحليل الاقتصادي للمدن كنقاط في الفراغ ضمن نظرية المكان المركزية تطوراً كاملاً، وعلى المقياس داخل الحضري الإيكولوجي حولت الانتباه من البيئة إلى السلوك البشري، وأدخل البعد الاجتماعي إلى الجغرافيا الحضرية، لكن في منتصف القرن العشرين كانت الجغرافيا الحضرية تركز أساساً على استخدام الأراضي والمواضيع ذات الصلة ويعكس تحول النموذج Paradigm shift الأول الأكبر الذي أثر على الجغرافيا الحضرية، يعكس الرغبة في جعل البحث الجغرافي علمي بشكل أكبر. وأدى ذلك إلى دخول الوضعية . 

(2-5-1)الوضعية :

   تتميز الوضعية بالتمسك بالأسلوب العلمي في البحث الذي يقوم على اختيار الفرضية والاستدلال الإحصائي ووضع النظرية، واتصفت الوضعية في أعمال (1933 )Christaller و ( 1959 ) Losch حول تنميط المستوطنات، لكن ازدهرت الوضعية في الجغرافيا الحضرية أواخر الخمسينيات مع تطور مدرسة التحليل المكاني. وتزامن إعادة تعريف الجغرافيا الحضرية كعلم للعلاقات المكانية مع تحول التركيز بعيداً عن الاستثنائية، أي دراسة ما هو فريد وخاص إلى دراسة المنهج الوضعي Nomothetic الذي يهدف إلى البحث عن القوانين المجردة أو الكلية، وساعد على ذلك ظهور التقنيات التحليلية الكمية التي أشعلتها وغذتها الثورة الكمية في الجغرافيا في الخمسينيات والستينيات .

   وأدى المنهج الجديد إلى تصنيفات متنوعة لأنماط الاستيطان وأبحاث قاعدة المرتبة والحجم لسكان الأماكن الحضرية وتحليلات التنويعات المكانية في كثافات السكان الحضرية، وكرس الجغرافيون الحضريون الذين تشجعوا بفضل ترجمات أعمال كرستالر، كرسوا اهتمامهم علي تنميط الاستيطان وتدفقات السلع والبشر بين الأماكن، وظهرت مفاهيم مثل تلاشي المسافة Distance Decay أي ضعف نسق ما أو عملية ما مع المسافة والبعد، ظهرت هذه المفاهيم في دراسة الظواهر الحضرية مثل سلوك المستهلك وطول الرحلات وأنماط السفر. 

   وأكد التوسع التالى في قوة الحساب وتطور أنظمة المعلومات الجغرافية أن التنميط والمحاكاة ظلا نشطين كإحدى مجالات الجغرافيا الحضرية، وإن كان ظل محدودا. وتم تطبيق المناهج الجديدة في العلوم المكانية على تحليل البناء الداخلي للمدن، وعكست نماذج استخدام الأراضي الحضرية لمدرسة شيكاغو لعلم البيئة البشرية الفلسفة الوضعية حيث اعتقد أنصار هذه المدرسة أن السلوك البشري كان يتحدد بحسب المبادئ الإيكولوجية أو القوانين الطبيعية التي تقول بأن الجماعة الأقوى تنال المكانة الأميز، مثل أفضل موقع سكني في حيز ما. وفي السبعينيات امتد تطور ونمو التقنيات الإحصائية المتنوعة ليضم منهج المنطقة الاجتماعية لعلماء البيئة في شكل بيئات معاملية Factorial Ecologies صممت للكشف عن أُسس التمايز والتفاضل السكني في المدينة.

   كما كان العلم المكاني الوضعي محورياً في نماذج البناء الحضري الذي دخل الجغرافيا قادماً من علم الاقتصاد الكلاسيكي الجديد. وتأسس ذلك على فرضية العقلية الإقتصادية للسلوك البشري والتي ذكرت أن القراءات الفردية كانت تقوم على هدف الاستخدام والاستغلال الأقصى، أي تقليل التكاليف لأدنى درجة بالنظر إلى المال والوقت مع زيادة الأرباح لأقصي درجة. وظل العلم المكاني لمدة عقدين هو النموذج المهيمن في الجغرافيا الحضرية، لكن أثناء السبعينيات أدي الوعي المتنامي بين الجغرافيين وإدراكهم للفلسفات البديلة للعلم إلى توجيه انتقادات شديدة للوضعية : - 

   ثمة شكوك بشأن كفاءة المدخل الذي ركز على الشكل المكاني وأهمل العمليات السببية الأساسية، فقيل أن الشكل المكاني كان إلى حد كبير نتاج القوى الاجتماعية السائدة، ولذلك فإن تركيز الأبحاث الحضرية يجب أن يتحول عن دراسة العلاقات المكانية ليدرس العلاقات الاجتماعية . 

   تم توجيه نقد خاص لنظرة الوضعية الآلية بشأن دور البشر، وفشلها في تحديد وتفسير القيم الذاتية والمميزة التي تحفز وتدفع وتحرك معظم السلوك البشري. 

   يوفر علم العلاقات المكانية رؤية وفهم لمعني الأماكن الحضرية بالنسبة لسكانها ، ولمعرفة معنى المكان يلزم وجود مدخل يركز على النشاطات اليومية وإدراكات ورؤي سكان الحضر.

  من الاستجابات لعدم الرضي المتزايد بشأن العلم الوضعي والقدرة التكهنية الضعيفة لكثير من النماذج المكانية نجد التحرك نحو الملاحظة المباشرة للسلوك البشري واتخاذ القرار أدى إلى تطور السلوكية في الجغرافيا الحضرية .

(3-5-1)السلوكية :

  حاول المنهج السلوكي التغلب على عيوب التحليل المكاني بأن أبرز دور العمليات المعرفية واتخاذ القرار في تسوية العلاقة بين البيئة الحضرية وسلوك البشر المكاني، ووظف الجغرافيون تقنيات رسم الخريطة المعرفية لدراسة مجموعة من القضايا منها الهجرة وسلوك المستهلك والحركة السكنية والتفضيلات السكنية والمناطق المجاورة المدركة وصور المدينة، وأوجد المنهج السلوكي واقعية أكثر في الدراسات الحضرية تأكيداً للبحث التجريبي للسلوك البشري في مقابل الطبيعة المجردة للنظرية المكانية، لكن السلوكية لم تنفصل تماماً عن التراث الوضعي، فمعظم المنهجية الوضعية تم الإبقاء عليها، وإن ركزت على كشف قيم وأهداف ودوافع السلوك البشري ، فإنها تظل مهتمة بالبحث عن العموميات الشبيهة بالقوانين. نتيجة لذلك واجهت السلوكية كثير من نفس الانتقادات الموجهة للوضعية، بخاصة فشلها في تحديد وتفسير فوضي وغموض وحركية الحياة اليومية. 

(4-5-1) النزعة الإنسانية :

   ينظر المنهج الناسوتي البشري إلى الفرد كونه عامل مدرك يهدف للتغيير في المدينة وليس مُستقبل سلبى للمثيرات الخارجية، ومن المعروف أن البشر لا يتصرفون في حرية تامة، لكن الفلسفة الناسوتية تولى أهمية كبرى للإدراك والفاعلية والوعي والإبداع، وهدف المنهج الناسوتي الإنساني فهم السلوك الاجتماعي البشري باستخدام منهجيات تستكشف التجربة الذاتية للناس في العالم وفي الواقع ، يعني هذا تغيراً من المبادئ الوضعية للاستدلال الإحصائي القائم على العينات العشوائية التمثيلية للسكان إلى مبدأ الاستدلال المنطقي القائم على دراسات الحالة الواحدة المتفردة باستخدام مناهج مثل علم الأعراق Ethnography أو تحليل النص الأدبي لإيضاح البناء الاجتماعي للحيز الحضري.

   واجه المنهج الناسوتي انتقادات بشأن تشديده المفرط على قوة الفرد وقدرته على تحديد سلوكه في المدينة وعدم الاهتمام بما يكفي بالقيود المفروضة على صنع القرار البشري، وبرز هذا النقد بشدة أكثر من جانب أنصار البنيوية، الذين نظروا إلى التركيز على الفرد في المجتمع على أنه تشويه للواقع الذي تسيطر فيه قوى معينة على سلوك البشر وليس للأفراد قدرة كبيرة على السيطرة على هذه القوى . 

(5-5-1) البنيوية :

  البنيوية مصطلح عام لمجموعة مبادئ وإجراءات صممت للكشف عن الأسباب الأساسية لأنماط معروفة من السلوك البشري. وهذا معناه في الواقع أن تفسيرات الظواهر الملحوظة لا يمكن أن توجد من خلال الدراسة التجريبية للظواهر فقط بل لابد من دراسة البناءات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية السائدة. وقام التحليل البنيوي في الجغرافيا الحضرية على أعمال ماركس في الأساس. وطبقاً لمنهج الاقتصاد السياسي أو المنهج الماركسي فإن كل مجتمع يقوم على نمط إنتاج معين ، أي مجموعة ممارسات مؤسساتية ينظم بها المجتمع أنشطته الإنتاجية، ويوفر حاجاته المادية ويعيد إخراج بناءه الاجتماعي الاقتصادي. والرأسمالية نمط إنتاج محدد، وهناك أنماط أخري هي العبودية والإقطاع والاشتراكية والشيوعية. وينظر إلى المدن كجزء لا يتجزأ من النمط الرأسمالي للإنتاج وذلك بتوفير البيئة الملائمة للهدف الرأسمالي الأساسي وهو التراكم. وهذه عملية من خلالها تزداد قيمة رأس المال من خلال إعادة الاستثمار المتصلة للأرباح من الاستثمارات الأولى. وأثر هذه الديناميكية التوسعية يتضح أكثر في تغير سوق العقارات الحضرية. وكذلك في عمليات مثل إعادة التنمية الحضرية والتحسين السكاني وأخلاق الضواحي . 

    ودخل منهج الاقتصاد السياسي الجغرافيا الحضرية أوائل السبعينيات استجابة للمشاكل الاجتماعية المتصلة للمناطق الحضرية، والتي برزت في الولايات المتحدة على يد حركات الحقوق المدنية. وسعياً للكشف عن القوى البنيوية المؤسسة للمشاكل الاجتماعية الموجودة في ديناميكا النظام الرأسمالى، قيل أن :- 

   المجتمع الرأسمالى يتميز بالصراع بين جماعات اجتماعية واقتصادية حول توزيع الموارد، ومن الموارد الرئيسية الطاقة ، التي يسيطر على معظمها النخبة القادرة على التلاعب بالأغلبية . 
 
   بما أن التحليل المكاني الكمي يصف الأنماط لكنه يفشل في الكشف عن الأسباب المؤسسة فإن أية اقتراحات أو سياسات تقوم على هذا التحليل سوف تدعم الوضع القائم ولن تستطيع إفراز تغير اجتماعي تقدمي.

   وظهر اهتمام كبير لتحليل الملكية الحضرية وأسواق الإسكان ودراسات أنماط الإقامة، وبغض النظر عن ممارسة الأفراد للاختيار المقيد فإن منهج الاقتصاد السياسي يفسر التفرقة السكنية الحضرية أساساً على أنها نتيجة لقرارات ذوي السلطة في سوق العقارات، بمن فيهم مديري الإسكان بالمصالح المحلية. وقدم هارفي ( 1976 ) عرضاً صارماً للعلاقة بين أنماط الإقامة الحضرية والاقتصاد السياسي السائدة للرأسمالية الاحتكارية . 

  ورفض الجغرافيون البشريون الهيمنة الممنوحة للبناء الاجتماعي على حساب الفعل البشري بحسب المنظور البنيوي، وهاجم نقاد آخرون التشديد على التقسيمات الطبقية في المجتمع إهمالاً لحدود فاصلة أخرى مثل النوع والعرقية والجنس وجميعها تتقاطع مع الحدود الطبقية ولها تأثير كبير على أسلوب الحياة الحضرية وعمليات إعادة الهيكلة الحضرية، لكن المنهج السياسي الاقتصادي كان له تأثير كبير على الجغرافيا الحضرية وأوضح القوى الاقتصادية السياسية المسببة للتغير الحضري .
 
(6-5-1) الإدارية :

  أدت الشكوك بشأن القيمة التحليلية للطبقية في المجتمعات الحديثة ببعض الكتاب إلى التخلي عن التحليل الماركسي القائم علي الطبقة مفضلين مفهوم فيبر Weber عن الغلق الاجتماعي، وهو عملية تسعى من خلالها الجماعات الاجتماعية إلى الوصول إلى أقصى حد من الفوائد والأرباح بأن يقيدوا الحصول على الموارد والفرص ليقصروه على دائرة محدودة من النخبة المؤهلة، هذا المنظور حول القوة والصراع في المجتمع يرتبط بشدة بمفهوم الإدارة الحضرية ، الذي يركز الاهتمام على قوة المديرين لتأثيرهم على البناء الاجتماعي المكاني للمدن من خلال التحكم مثلاً في إمكانية الحصول على الإسكان العام أو تخصيص تمويلات الرهن . 

   ويرفض البنيويون تركيز الفلسفة الإدارية على صناع القرار متوسطي المستوى في التشكيلة الاجتماعية لكن على الحد المشترك بين المستهلك ومخصص الموارد النادرة ، تقدم الإدارية منظورا بشرياً قد يساعد في الكشف عن فاعليته وعقلانيته العملية التوزيعية في المدن . 

(7-5-1) ما بعد الحداثة :

  بدأ تأثير نظرية ما بعد الحداثة على الجغرافيا الحضرية أواخر الثمانينيات وفي التسعينيات ويتميز المنظور ما بعد الحداثي برفض النظرية الكبري وبالتأكيد على الاختلاف البشري، وهذا يبعد ما بعد الحداثة عن الوضعية التي تسعى إلى إيجاد قوانين ونماذج عامة، عن البنيوية الموضوعة ضمن نظرية كبري ترتبط بالنمط الرأسمالي للإنتاج ، أبرز أثر فكر ما بعد الحداثي على المدينة نجده في العمارة حيث يحل تنوع الأساليب محل الوظيفة الملموسة في الحقبة الحديثة، وبالنسبة للجغرافيا الاجتماعية للمدينة ، فإن أهم إسهام للمنظور ما بعد الحداثي هو كيفية التركيز على الاختلاف والتفرد والفردية بما يُشعرنا باحتياجات ومواقف كل أعضاء المجتمع، هذا التأكيد على الحاجة إلى دراسة الظواهر الحضرية من منظورات متعددة للأفراد مختلفين وجماعات متنوعة ينعكس في دراسات الفروق في النوع في أسواق العمل الحضرية وكذلك دراسات مساحات الاستبعاد التي تشغلها أقليات تحدد حسب الطبقة أو الحالة الاجتماعية أو الجنس أو العمر أو العرق أو العجز. ومن الانتقادات الكبرى الموجهة للمنهج ما بعد الحداثي للمدينة أنه نسبي بشكل غير محدود فهو يفضل رؤي كل الأفراد ، فلا يبدو أن هناك حداً لمدى التفسيرات المحتملة لأية موقف فليس ثمة علم حقيقي ، وأدي ذلك إلى ظهور انتقادات من جانب الجغرافيين الحضريين ذوي الاهتمام الاجتماعي الذين ينعون على ما بعد الحداثة عجزها عن معالجة المشاكل الحقيقية لسكان الحضر غير المميزين وذوي المكانة الأضعف . 

(8-5-1) الفلسفة الأخلاقية :

  يمثل المنهج القائم على الفلسفة الأخلاقية أو علم الأخلاق منظوراً ظهر حديثاً في الجغرافيا الحضرية، يسعى لدراسة الأسس الأخلاقية للمجتمع دراسة نقدية.

 ويعد مفهوم الحكم المعياري أساسياً للمنظور الأخلاقي الذي يركز على ما يجب أن يكون وليس ما هو كائن. يتضمن ذلك التقييم النقدي للمواقف الفعلية مقابل الظروف المعيارية حسب تحديد المبادئ الأخلاقية لها، وفي الجغرافيا الحضرية يواجه الجغرافيون دائماً القضايا الأخلاقية، ومن المسائل التي تتم معالجتها مدى الإنصاف في توزيع خدمات الرفاهية وفرص العمل والإسكان اللائق لجماعات اجتماعية مختلفة في المدينة، وكيفية تفسير أسباب الفقر داخل المدينة ( بما في ذلك الثقل المرتبط بالعجز الشخصي للسكان أو القيود المفروضة بنيويا على السلوك) والقبول الاجتماعي للظروف الحضرية القائمة .

مثل سؤال : ما هو المستوى المقبول من تلوث الهواء أو من وفيات الأطفال ؟ وتمثل المنظورات الأخلاقية للمدينة جزءاً هاماً من العلم الاجتماعي في القرن التاسع عشر. ومع هذا فإن جذور المنظور الأخلاقي الحالي في الجغرافيا الحضرية تكمن في المنهج الناسوتي الإنساني حيث الاهتمام بمسائل العدل الاجتماعي في إطار منظور الاقتصاد السياسي أوائل السبعينيات ثم الانتقادات الأحدث لأخلاق الفردية ذات التوجه نحو السوق . 

   وهناك أيضاً درجة ما من الأرضية المشتركة مع تأكيد ما بعد الحداثى على أهمية الإختلاف ( مثل انتقادات أنصار المرأة للتفسيرات الذكورية لما يمثل البيئة الحضرية التي يمكن العيش بها ) . لكن المنظور الأخلاقي يرفض إنكار ما بعد الحداثة للوجود المحتمل للقواعد الأخلاقية الممكن تطبيقها للسلوك الاجتماعي. كما أن المنظور الأخلاقي يقول بأن كل ظواهر الآخر لا يجب أن تظهر في المجتمع مثل التفرقة العنصرية أو دعارة الأطفال فهي يجب أن تحدد وتقيد. ويرى (1994 ) smith أن مع الإقرار بأهمية الاختلاف ووجود الآخر لا يجب أن نسمح للتبجيل غير النقدي والاحترام لآراء وثقافات الآخرين أن ينفي احتمال خطأ بعض أنواع السلوك وأساليب الحياة بل وبعض القوانين الأخلاقية. 

(6-1) البحث عن أرضية مشتركة 

  يمكن لكل منظور فلسفي رئيس مما عرض له الإدعاء بقدرته على إيضاح جزء من الديناميكية المعقدة والهيكل المركب للمدينة لكن لا يمكن لمنهج منفرد أن يقدم لنا تفسير كامل للظواهر الحضرية، ومسألة ما إذا كانت التوافق ممكنة بين مناهج مختلفة تتأرجح بين من يقبلون الموقف الجمعي أي قبول الاختلاف على اعتبار أنه ليس ثمة طريق واحد فقط لاكتساب المعرفة، وبين من يصرون على الحاجة إلى اختيار موحد أحادي للإطار النظري بسبب التفوق الملحوظ لنظرية معينة من المعرفة. حاول آخرون دمج المنهجين بطرق مختلفة.

   وهذا الطريق الأخير الذي يضم البحث عن أرضية مشتركة بين تعميق الوضعية واستثنائية نظرية ما بعد الحداثة هو المنهج المفضل . 
ولكي نفهم تماماً الظواهر الحضرية في العالم المعاصر نحتاج إلى النظر في العمليات البنيوية العامة المرتبطة بنمط الإنتاج والتقييم التجريبي للتشكيلات الاجتماعية الخاصة التي تنبع من تفاعل القوى الهيكلية والسياق المحلي. وأهمية توظيف منظور واقعي مركب متعدد الطبقات يضم المقاييس الكونية والمحلية والهيكل الاجتماعي والفاعلية البشرية والنظرية والبحث التجريبي لتفسير المدينة.

(7-1) مستويات التحليل في الجغرافيا الحضرية : 

  رأينا أن شخصية البيْات الحضرية هي نتاج لتداخل وتفاعل مجموعة من الاهتمامات الخاصة والعامة ذات الأثر في العديد من المقاييس الجغرافية. ولكي نفهم جغرافيا البلدات والمدن من الضروري النظر داخل الاستيطان وإلى ما وراء حدوده أيضاً، مع دراسة العوامل المعقدة الضالعة في التغير الحضري على كل المستويات المتصلة الكونية المحلية. ونحدد خمسة مستويات تحليلية رئيسية . 

(1-7-1)المستوى الأول - الحي المجاور :

  منطقة المجاورة هي المنطقة المحيطة مباشرة بمنزل الإنسان، وهي في الغالب تبدي تجانساً من حيث نمط الإسكان والعرقية والقيم الاجتماعية والثقافية، وقد تكون مركز تشكيل الاهتمامات المشتركة وتطور ونمو تماسك المجتمع. ومن المسائل ذات الصلة بالنسبة للجغرافي الحضري في هذا المستوى عمليات التدني الاقتصادي المحلي أو عمليات التحديث والتنشيط أو التفرقة السكنية أو مستويات توفير الخدمة أو استغلال التنظيمات السياسية بالمنطقة كجزء من الكفاح الشعبي للسيطرة على الحيز الحضري . 

(2-7-1) المستوى الثاني - المدينة :

   تعد المدن مراكز الإنتاج الاقتصادي والاستهلاكي، وهي ساحات الشبكات الاجتماعية والأنشطة الثقافية، وهي مقرات الحكم والإدارة، ويدرس الجغرافيون الحضريون دور المدينة في الاقتصاد الإقليمي والقومي والدولى وكيفية تحديد الشكل الاجتماعي المكاني للمدينة بحسب دورها ، مثلاً كمركز مالى أو قاعدة تصنيعية.

   ودراسة توزيع السلطة في المدينة التي تركز على سلوك وميول التنظيمات الرسمية وكذلك غير الرسمية التي تعمل في ظلها الاهتمامات والمصالح العامة والخاصة للتأثير على قرارات الحكومة، والتوزيع التفاضلى الإجتماعي المكاني للمكاسب والخسائر في المدينة يعد هو الآخر مجال هام للبحث في الجغرافيا الحضرية .
 
(3-7-1) المستوى لثالث - الإقليم :

  أدى انتشار التأثيرات الحضرية إلى المناطق الريفية المحيطة وبخاصة التوسع المكاني للمدن إلى ظهور مفاهيم مثل الإقليم الحضري والمدينة الكونية Metropolis والمدينة المتعددة Metroplex والمدينة المُجمعة Conurbation والمدينة الكبرى Megslopolis في مجال الجغرافيا الحضرية. ومن المسائل المناسبة لهذا المستوى التحليلي الآثار الإيكولوجية للمدينة وصراع استغلال الأراضي على الحافة الحضرية وظهور استراتيجيات الإدارة وأشكال الحكم في المدينة الكونية .

(4-7-1) المستوى الرابع - المنظومة القومية للمدن :

   تتأثر المدن بالأهداف المحددة قومياً والتي تسعى إلى تحقيق أهداف تتعدى الاهتمامات الحضرية. وقد اتبعت حكومات اليمين الجديد المتتالية في المملكة المتحدة في ظل مارجريت تاتشر وجون ماجور وفي الولايات المتحدة في ظل رونالد ريجان وجورج بوش اتبعت سياسة اقتصادية تركز على تنمية الإقتصاد القومي بغض النظر إلى حد كبير عن تبعات ذلك بالنسبة لنمو أو انحطاط مناطق حضرية مفردة محددة . وتم تشجيع المدن على أن تصبح أكثر تنافسية لجذب الاستثمار بالداخل وكان للخطوط العريضة للسياسة ذات المستوى القومي وللحوافز في شكل المنح التنافسية والتمويلات والتحكم في تحركات الحكومة المحلية كان له تأثير مباشر على صنع القرار الحضري وعلى الإدارة . ولفهم عمليات وأنماط التغير الحضري ، يحتاج الجغرافيون إلى فهم السياسة القومية وطرق تأثيرها على الجغرافيا بين الحضرية وداخل الحضرية في الدولة .

(5-7-1) المستوى الخامس - المنظومة العالمية للمدن : 

  يعكس مفهوم الشبكة العالمية للمدن الاعتماد المتبادل المتنامي للدول والمدن في ظل الاقتصاد السياسي الكوني. وفي هذه المنظومة الحضرية، تشغل مدن العالم مكانة مميزة بسبب دورها كمراكز سيطرة مالية وسياسية. وتظهر هذه المكانة في تركز خدمات المنتج المتقدمة مثل التعليم والبنوك والتأمين والمحاسبة والخدمات القانونية والإعلان والخدمات العقارية. والاعتماد على منظور المدن العالمية يمكن الجغرافي الحضري من إعادة صياغة الكثير من الأسئلة الحضرية التي وقعت سابقاً في سياق المدينة أو حدود الإقليم.

  ويتضح هذا إن رسمنا خريطة توضح كيف تؤدي القرارات الاستثمارية التي تتخذها شركة متعددة الجنسيات ملكيتها يابانية ومقرها نيويورك إلى فقدان وظائف وحرمان على مستوى المنطقة المجاورة في ليفربول أو لاجوس.

   ولدي دراسة المدينة المعاصرة ، لا بد أن يظل الجغرافيون الحضريون على دراية بالعلاقة بين القوى الكونية والقوى المحلية لإنتاج وإعادة إنتاج البيئات الحضرية وتعزز العولمة الحاجة إلى هذا المنظور حيث تشدد على الروابط بين مستويات مختلفة من التفسير. فلا يجب النظر إلى الكوني والمحلي كمتقابلات تحليلية بل وجهين لنفس العملة، فعملية العولمة إذا تؤكد على حاجة الجغرافيين الحضرين إلى توظيف منظور متعدد المستويات متداخل العلوم والمباحث سعياً وراء إيجاد التفسير الحضري . 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا