الطاقات المتجددة بين تحديات الواقع ومأمول المستقبل
التجربة الألمانية نموذجاً
فريدة كافي
أستاذة مساعدة، كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير
جامعة باجي مختار
عنابة - الجزائر
مجلة بحوث اقتصادية عربية - العددان٧٤ - ٧٥ - ربيــع - صيف ٢٠١٦- ص ص ١٤٠ - ١٥٧:
مقدمة
تـعـد الـطـاقـة أحــد الـتـحـديـات الـحـرجـة الـتـي تــواجــه عـالـمـنـا فــي الــوقــت الـحـاضـر؛ فـهـي تـعـتـبـر أحـد الـقـطـاعـات الـحـيـويـة الـمـهـمـة فـي جـمـيـع الــدول لأنـهـا تـعـبـر عـن الـعـمـلـيـات الـتـنـمـويـة، غـيـر أن الـتـطـور والـنـمـو الاقتصادي الذي شهده العالم في العقود القليلة الماضية والسنوات الأخيرة على وجه التحديد، وما نتج منه مـن اسـتـنـزاف مـفـرط لـلـمـوارد الطبيعية، وبخاصة الأحـفـوريـة منها، نتيجة الارتـفـاع المستمر فـي الطلب عليها، الأمر الذي بات يهدد أمن الطاقة العالمي، غير أن ذلك لا يتوقف فقط على إمكانية نفاد المصادر الطاقوية؛ بل عرف العالم في العقود الأخيرة ً شكـلا آخر من أشكال التهديد المرتبطة بالطاقة، وهو التلوث الـبـيـئـي الـذي زادت حـدتـه بـوجـه مـلـحـوظ وأثـر ً سـلـبـا فـي الـقـدرة الاسـتـيـعـابـيـة للبيئة والـتـوازن الـبـيـئـي بـعـامـة. أصبحت جميع الـدول مقتنعة تمام الاقتناع بأهمية معالجة المشاكل البيئية، ً وخصوصا في مجال حماية البيئة، فأصبح العالم بذلك يواجه ً تحديا يتمثل بكيفية خلق تـوازن بين الحفاظ على البيئة والتنمية معا. ولـهـذا عقدت الـنـدوات والمؤتمرات المحلية والـدولـيـة مـن أجـل اتـخـاذ خـطـوات جـادة وفاعلة فـي البحث عن مصادر بديلة، تكون من جهة مستدامة، ومن جهة ثانية، نظيفة وغير ملوثة للبيئة، وهو ما تدعو إليه الـطـاقـات الـمـتـجـددة؛ فـهـي مـصـادر تخفف الـضـغـط عـلـى الـبـيـئـة، وتـعـمـل عـلـى تخفيض مـعـدلات اسـتـخـدام الـطـاقـة الأحـفـوريـة، وتـحـافـظ عليها كاحتياطي استراتيجي لـلأجـيـال المقبلة. عليه، فـإن تحقيق الاسـتـدامـة يتطلب منا دعم مصادر الطاقة المتجددة وتطويرها، على الرغم من التحديات التي تواجهها، فهي تحمل في طياتها تحقيق التوازن البيئي والنمو المستدام وتأمين الطاقة للأجيال الحالية والمستقبلية.
إشكالية الـدراسـة:
من خـلال هـذه الورقة البحثية سـوف نعالج إمكانية وأهمية التوجه إلـى الاعتماد على مصادر الطاقات المتجددة، وذلك في ظل التحديات التي نواجهها في الوقت الراهن على الرغم من إيجابياتها في الحاضر والمستقبل. وكـذا القيام بعرض تجربة ألمانيا الرائدة في مجال الطاقة المتجددة، وعليه، سوف نحاول دراسة الإشكالية التالية: هل يمكن أن يكون للطاقات المتجددة مساهمة فاعلة في المستقبل على الرغم من التحديات التي تواجهها واقعياً؟ وكيف حققت ألمانيا نجاحاتها لتصبح نموذجاً يُحتذى به؟.
أهمية الدراسة:
تنبع أهمية الدراسة من أنها تعالج موضوع الساعة، وهو الطاقة المتجددة، كما أن هـذه الـدراسـة تهتم بواقعها عالمياً والتحديات التي تحول دون التوسع فـي استخدامها، مـع إلـقـاء الضوء على تجربة ألمانيا في صناعة الطاقة المتجددة، وكيفية إمكانية استفادة دول العالم منها.
أهداف الدراسة:
من بين أهم الأهداف التي نسعى إلى تحقيقها من وراء القيام بهذه الدراسة، نذكر:
- توضيح أهمية الطاقات المتجددة كمصدر طاقة بديل ومكمل للطاقة الأحفورية.
- إبراز مدى أهمية الاعتماد على الطاقات المتجددة لتحقيق تنمية حقيقية مستدامة.
- معرفة تجربة ألمانيا في مجال صناعة الطاقات المتجددة كونها تعتبر تجربة رائدة في ذلك.
مـنـهـج الـــدراســـة:
مــن أجــل إنــهــاء مـخـتـلـف تـطـلـعـات هــذا الــبــحــث، تــم الاعــتــمــاد عـلـى الـمـنـاهـج المستخدمة فـي الـدراسـات الاقـتـصـاديـة عـمـومـاً، حـيـث غـلـب اسـتـخـدام المنهج الـوصـفـي التحليلي على مـخـتـلـف مـحـاور الـدراسـة، قـصـد اسـتـيـعـاب وفـهـم مـعـالـم الـمـوضـوع ومـنـهـج دراســة الـحـالـة بـالـتـطـرق إلـى دراسة حالة ألمانيا.
خاتمة
على الـرغـم مـن كـل الاهتمام العالمي الكبير بالطاقة المتجددة كطاقة نظيفة وبديلة فـي المستقبل للطاقة الأحـفـوريـة، فـإن جميع الـدلائـل تـوضـح بـأن الـطـاقـة الـمـتـجـددة تـواجـه تـحـديـات كـبـيـرة، نتيجة تـوافـر الطاقة الأحفورية بكميات كبيرة تكفي احتياجات عالمنا حتى نهايـة القرن الحالي، والصعوبات الكبيرة الـتـي تـواجـه تكنولوجياتها والـنـاتـجـة مـن تبعثرها وكــونها متقطعة وغـيـر مـسـتـمـرة. إلا أن ذلـك لا يـمـنـع دول العالم من الاستثمار فيها مستقبـلا، لأنها مصادر تمتاز بديمومة وجودها وعدم نفادها، كما أنها تعتبر ً أمراً مهماً وضـروريـاً، وبخاصة فـي مـجـال مكافحة التلوث البيئي وترشيد استهلاك الطاقة الأحـفـوريـة، وترقية كفاءتها الاستخدامية في ظل ضوابط الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية على حد سواء.
نتائج الدراسة:
من خلال هذه الدراسة توصلنا إلى النتائج التالية:
• التوسع فـي استخدام مـصـادر الطاقة الأحـفـوريـة ودعمها، يعتبر مـن أهـم العوامل التي تعوق نمو الطاقة المتجددة وانتشارها. • اللجوء إلـى الطاقات المتجددة هو الحل الأمثل للمزاوجة ما بين الأهـداف الاقتصادية والبيئية، لذا يجب بذل المزيد من الجهود الفعلية والفاعلة من أجل تطويرها والتغلب على تحدياتها واستغلالها ً استغلالاً اقتصادياً أمثل.
• تـؤدي الـحـكـومـات ً دورا بـالـغ الأهـمـيـة فـي دعـم قـطـاع الـطـاقـة الـمـتـجـددة، وذلـك مـن خـلال وضـع سياسات مناسبة وأطـر تنظيمية وآلـيـات تحفيزية. وكـذا امـتـيـازات تمويلية لتطوير ونشر الطاقة المتجددة. وهـذا ما قامت به ألمانيا التي أثبتت ً نجاحا وفاعلية في تنمية قطاع الطاقة المتجددة وتطويره، ما جعلها دولة رائدة ومتقدمة في هذا المجال، مما أدى إلى تنمية قطاعات إنتاجية وخدمية مختلفة وتطويرها.
• على جميع دول العالم، وبخاصة النامية منها، أن تستفيد مـن تجربة ألمانيا التي اهتمت بتنمية استخدام الطاقة المتجددة وتطوير أساليب استعمالها، وذلـك من أجل تحقيق تنمية مستدامة تكون فيها جميع الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية محققة .
اقتراحات
• أهـمـيـة وضـع أهــداف واضـحـة وتـحـديـدهـا بـسـقـف زمـنـي، والـعـمـل عـلـى تـنـفـيـذهـا ودعـمـهـا مـن قبل الحكومات بجدية وصرامة أكبر.
• وضـع أسـالـيـب جـديـدة للدعم الـمـالـي والـتـركـيـز على جـذب رأس الـمـال الـخـاص، الـذي سيساعد على تحقيق كـفـاءة أفـضـل، وانـخـفـاض لأسـعـار التكاليف تـدريـجـيـاً، وإدخـال تقنيات جـديـدة وتوفير فرص عمل.
• دعـم عـمـلـيـات الـبـحـوث والـتـطـويـر، ومـن ثـم تـوفـيـر عـنـصـر بـشـري قــادر عـلـى تـنـفـيـذ بـرامـج الـقـطـاع وخططها الاستراتيجية.
• تـوسـيـع قـاعـدة الـمـشـاركـة بـيـن الـقـطـاع الـحـكـومـي والـخـاص، والإتـاحـة الـتـكـنـولـوجـيـة لتحقيق نسبة مشاركة مقبولة ومحلية.
• تشجيع الابتكار الموائم للقدرات المالية المتوافرة، والمناسب لبيئة كل منطقة.
• تنشيط وسائل التبادل العلمي والخبرات على المستويين الإقليمي والعالمي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق