التسميات

الاثنين، 10 يوليو 2017

التغييرات الجيوسياسية والديموغرافية للقدس تحت الاحتلال الإسرائيلي ...


التغييرات الجيوسياسية والديموغرافية للقدس

تحت الاحتلال الإسرائيلي

د. نعيم إبراهيم الطاهر

الأردن 

جامعة الزرقاء الخاصة

مقدم إلى ندوة أيام مقدسية  في حلب
خلال الفترة
 ( 20-23/12/2009)
سوريا

محتويات الدراسة  :
الحدود الجغرافية للمدينة عبر التاريخ
الموقع الفلكي
 موقع القدس
أهمية الموقع
التشكيل الطوبوغرافي اليبوسي العربي للمدينة
إعادة التشكيل الجيوسياسي الديموغرافي العربي للقدس
النشأة الحديثة للقدس
ترسيم الحدود عام 1921

حدود عام 1946-1948
التغييرات الجيوسياسية والديموغرافية التي انتهجتها ادارة الاحتلال الاسرائيلي لمدينة القدس
أعمال هدم المنشآت وتشريد الأهالي
اولا : تغيير معالم وهوامش مدينة القدس
ثانيا : تهويد المرافق والخدمات العامة
ثالثا : تركيز المؤسسات الصهيونية في القدس المحتلة
رابعا :  طمس الهوية والثقافة الوطنية وتهويد التعليم
خامسا : تهويد الاقتصادي العربي
سادسا : التهويد الديني
سابعا :  التهويد الديمغرافي
ثامنا :  التهويد العمراني 

المقدمة

تقوم مكانة القدس في العقيدة الاسلامية على ثلاثة أصول عقائدية مترابطة عضوياً هي :
القدس مدينة الأنبياء و هي مدينة الاسراء والمعراج و قبلة المسلمين الأولى .
واستناداً الى هذه الأصول العقيدية والمرتكزات الروحية لمكانة القدس في العقيدة الاسلامية ترتبت فضائل كثيرة لبيت المقدس ،ويمكن تلخيصها بالاستناد الى الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة بالآتي:

 فضل الصلاة في بيت المقدس : يمكن القول بأن فضل الصلاة في المسجد الأقصى تتراوح استناداً الى الأحاديث النبوية الشريفة ما بين ألف صلاة الى خمسين ألف صلاة

 فضل الاهلال بالحج والعمرة من بيت المقدس : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى الى المسجد الحرام غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ووجبت له الجنة".

الربط بين مكة والمدينة وبيت المقدس : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تشد الرحال الا الى ثلاثة مساجد .."

فضل الاقامة والسكن في بيت المقدس وزيارتها : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "نعم المسكن بيت المقدس"
و القدس لها قيمة كبيرة عند المحتل الاسرائيلي ، لذا يسعى اليوم أكثر من أيّ وقتٍ مضى لحسم هويّة مدينة القدس الدينيّة والثقافيّة، كـ"عاصمةٍ  للشعب اليهوديّ"، وذلك كجزءٍ من مشروعه لفرض حدود دولته النهائيّة وتثبيتها من طرفٍ  واحد، والذي بدأه رئيس وزراء الاحتلال السابق أريئيل شارون مع بداية هذا القرن، ولعلّ حسم مصير القدس هو الفكرة الوحيدة التي بقيت من ذلك المشروع، بعد حربي لبنان وغزّة.
          وتحويل مدينة القدس إلى "عاصمةٍ يهوديّة" يعني بطبيعة الحال تهويد قلبها المتمثّل بالمسجد الأقصى والبلدة القديمة، واستبدال معالمه ومقدساته الإسلاميّة والمسيحيّة، بمعالم ومقدّساتٍ يهوديّة، والمحتلّ يعمل على تحقيق ذلك اليوم من خلال مسارات عملٍ 4 هي:
 المسار الأوّلخلق مدينة يهوديّة مقدّسة موازية للبلدة القديمة بمقدساتها الإسلامية والمسيحية، ومشتركةٍ معها في المركز ذاته.
  المسار الثاني: تحقيق وجود يهوديّ دائم ومباشر في المسجد الأقصى ومحيطه.
المسار الثالث : تفريغ الأحياء الفلسطينيّة المحيطة بالمسجد الأقصى من سكّانها، والحدّ من قدرة الفلسطينيّين على الوصول إلى المسجد الأقصى والبلدة القديمة.
المسار الرابع: الترويج لمدينة القدس كمدينة يهوديّة.
          وذلك من خلال تنظيم الجولات السياحيّة في المدينة وفق مسارٍ يتجاهل المقدّسات الإسلاميّة، ويُحاول الربط بين الآثار والمقدّسات المسيحيّة والمدينة اليهوديّة التاريخيّة، ويصوّر الوجود الإسلاميّ في المدينة كوجودٍ طارئ ومنفصل عن الوجود المسيحيّ واليهوديّ. وأيضاً من خلال إقامة مهرجانات واحتفالاتٍ بمالناسبات والأعياد اليهوديّة الدينيّة والقوميّة على مدار العام.
          ويأتي الرد العربي الاسلامي على ذلك الموقف الصهيوني باعتبار القدس عاصمة للثقافة العربية خلال العام 2009 لتثبيت عروبة القدس في الوجدان والضمير العربي وذلك اضعف الايمان
          في الوقت الذي يجاهد الفلسطينيون بالدم والحجارة للوقوف بوجه هذا المشروع الصهيوني .. هذا من ناحية ، ومن ناحية اخرى يطور الفلسطينيون اساليب مواجهتهم للاحتلال في المجال الديمغرافي ، حيث يسيطر الهاجس الديمغرافيّ على المحتلّ منذ استيلائه على كامل القدس عام 1967، وهو يُحاول منذ ذلك الحين تحقيق أغلبيّة ديمغرافيّةٍ يهوديّة مريحة  في المدينة بوصفها عاصمة الدولة، وقد سنّ في سبيل ذلك عام 1973 قانوناً يُحدّد نسبة الفلسطينيّين في المدينة بـ22%، إلا أنّه لم يتمكّن من تحقيق هذه النسبة أبداً، فاليوم تبلغ نسبة الفلسطينيّين في المدينة 34% ومن المتوقّع أن تصل إلى 40% عام 2020 إلى ذلك بحسب تقديرات المحتلّ نفسه، لذا فإنّ عامل تعديل التوازن الديمغرافيّ يحتل رأس سلّم أولويّات الاحتلال في المدينة، ويُحرّك معظم مخطّطات البلديّة وبخاصّة المخطط الهيكليّ للقدس عام 2020.

اهداف الدراسة :
1-     توضيح التغييرات الجيوسياسية التي تتعرض لها القدس من قبل سلطات الاحتلال .
2-     متابعة الحالة الديموغرافية في مدينة القدس تحت الاحتلال الاسرائيلي .
3-     متابعة تطور المواحهة في المجال الديمغرافي  .
4-     استشراف المستقبل من خلال اليات جديدة لاسترجاع القدس

الحدود الجغرافية للمدينة عبر التاريخ

الموقع الفلكي لمدينة القدس :
تقع مدينة القدس على خط طول 35 درجة و13 دقيقة شرقاً، وخط عرض 31 درجة و 52 دقيقة شمالاً.
الموقع الجغرافي لمدينة القدس  :
قامت مدينة القدس في مكانها الحالي منذ الألف الثالث قبل الميلاد على أربعة جبال  :
 - جبل موريا (المختار):       ويقوم عليه الحرم الشريف.
- جبل صهيون (النبي داود):  بنيت عليه القدس اليبوسية.
- جبل بيزيتا (بيت الزيتون):  قرب باب الساهرة اليوم.
- جبل أكرا: وتقوم على سفوحه كنيسة القيامة.
          وتحيط بها مجموعة أخرى من الجبال امتدت إليها المدينة منذ مطلع هذا القرن، وأهمها جبل الزيتون في الشرق وسكوبس في الشمال والمكبر وأبو غنيم في الجنوب.

أهمية الموقع الجغرافي :
          ترجع أهمية الموقع الجغرافي إلى كونه نقطة مرور لكثير من الطرق التجارية، و مركزيته بالنسبة لفلسطين والعالم الخارجي معاً، حيث يجمع بين الانغلاق وما يعطيه من حماية طبيعية للمدينة، والانفتاح وما يعطيه من إمكان الاتصال بالمناطق والأقطار المجاورة الأمر الذي كان يقود إلى احتلال سائر فلسطين والمناطق المجاورة في حال سقوط القدس، إضافةً إلى تشكيله مركزاً إشعاعياً روحانياً باجتماع الديانات الثلاث، وهذا كلّه يؤكد الأهمية الدينية والعسكرية والتجارية والسياسية أيضاً،لأنها بموقعها المركزي الذي يسيطر على كثير من الطرق التجارية، ولأنها كذلك محكومة بالاتصال بالمناطق المجاورة.
.( من ندوة المهندس رياض زيد- دمشق ، الأربعاء 3 تشرين الأول 2007 ) (مركز المعلومات الوطنيّ الفلسطينيّ  ، الأربعاء 3 تشرين الأول ، 2007  )
 التشكيل الطوبوغرافي اليبوسي العربي للمدينة
          تفرّدت منذ القديم بمزية أعطتها المهابة والقداسة، فإلى جانب انحدارٍ سحيق ينخفض حتى منسوب 450م تحت سطح البحر، باتجاه البحر الميت، ترتفع خطوط تسوياتها حتى منسوب 800م فوق سطح البحر.
          أنشأها اليبوسيون العرب منذ خمسة آلاف عام، فمنحوها اسمهم ونسبة إلى إلههم سالم، سميت بأور سالم أي مدينة سالم. وطوع اليبوسيون طوبوغرافية مدينتهم العصية، باستخدام مصاطب متدرجة بنيت من أحجار ضخمة، استخدمت كمساحات مستقرة لبناء بيوتهم، ودعامات لأسوار المدينة. وعلى الرغم من انهيار هذه الدعامات فقد عثر الأركيولوحيون على أجزاء هامة منها.
          ومما يدهش حقاً حفرهم لنفقٍ يمتد من نبع (جيحون) في منحدرات السطح الشرقي إلى بركة (سلوان) في السفح الغربي، وتحت مدينتهم بطول 510 أمتار. وبسبب الموقع المتوسط للمدينة والمنطقة باعتبارها معبراً تجارياً، تعرضت لأكثر من اجتياحٍ خلال تاريخها الطويل الأمر الذي يبدل من طوبوغرافيتها وتشكيلها الديمغرافي، ولكنها ما أسرع ما تعود إلى وجهها العربي الأصيل.
          وفي عام 1863 تأسست أول بلدية للقدس. وفي منتصف القرن التاسع عشر بدأت الأحياء اليهودية تظهر طابع هذه الحدود، لتبدأ في رسم الحدود السياسية لمدينة القدس، ومن أجل هدف إيديولوجي أقيم حي (يمين موشيه) عام 1850 في منطقة جورة العناب ليكون نواة لأحياء يهودية تقام خارج الأسوار باتجاه الجنوب الغربي والشمال الغربي والغرب. ثم أقيم حي (مئة شعاريم) في منطقة المصرارة، و(ماقور حاييم) المسكوبية في عام 1858. (حلبي ، اسامة ، بلدية القدس الغربية - الجمعية الفلسطينية الاكاديمية للشؤون الدولية - القدس 1993  )

التشكيل الجيوسياسي الديموغرافي العربي الاسلامي  للقدس :
          وفي إشارات ودلالات قوية مماثلة، يتحقق الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى لإعطاء المشهد تضمينات سياسة واضحة. وخلال خمسين عاماً، فقط، يتعاقب الخلفاء العظام لترسيم طبوغرافيا عربية للمدينة. ففي عام 637ميلادية، يدخل عمر القدس، موطّداً شراكه كاملة، محدّداً المنصة الهيرودية -حرماً شريفاً- تضم الصخرة والمسجد الأقصى.
          وفي عام 661 ميلادية، يأخذ معاوية البيعة من زعماء المسلمين والمسيحيين على السواء على أرض الحرم الشريف. في سابقة هي الأولى من نوعها: اقتران القدس بمنح الشرعية للسلطة.
          وما بين 692 ميلادية و702 ميلادية، يقوم عبد الملك بن مروان وابنه الوليد، بتوطيد التشكيل الطوبوغرافي العربي للمدينة على الأرض وبالحجر، بإعادة بناء المنصة المنشأة أساساتها من قبل هيرود الكبير، وقبة الصخرة والمسجد الأقصى، وبذلك يكتمل المشهد الساحر للمدينة الذي ينطق بحس تناسق التصميم والتوظيف المدهش للألوان..
وقد استمر هذا التشكيل الطوبوغرافي والديمغرافي للمدينة حتى عام 1099 ميلادية عندما اجتاحتها الحملة الصليبية؛ التي خاض فيها الصليبيون الفرنجة الدماء حتى الركب، في المسجد الأقصى، وتحت أقدامهم سبعون ألف جثة.. لقد أزالوا الشارات العربية: المسيحية والإسلامية عن المدينة وأعلنوا القدس عاصمة للملكة اللاتينية. محاولين خلق تشكيل جيوسياسي ديموغرافي صليبي لمدينة القدس ، حين تبدلت ديمغرافية المدينة وامتلأت طرقاتها وأحياؤها بالمحاربين وقد قدِموا تحت أقنعة دينية كاذبة. فإذا هم خليط من تجار جنوة والبندقية ورهبان عسكريون وحشود من ميلشيات الداوية والإسبارتية ورعايا ملوك إنكلترا وفرنسا.( من ندوة المهندس رياض زيد- دمشق ، الأربعاء 3 تشرين الأول 2007 )
          لم تطل الأمور، 88 عاماً فقط، يعود صلاح الدين الايوبي  محرّراً المدينة معيداً ما تهدّم من أسوارها وأبراجها وبواباتها، مدشّناً المدارس والزوايا والمستشفى الكبير، ثم يولي اهتمامه لإعادة ترميم وتزيين المسجد الأقصى وقبة الصخرة، لتستعيد القدس مشهدها الطوبوغرافي العربي الأصيل، إضافة إلى عودة سيادة العرب الديمغرافية على المدينة.
          ويتابع سلاطين المماليك ما بدأه صلاح الدين، فيتألّق الطراز المعماري العربي الإسلامي على المنشآت المختلفة في المدينة، ولضيق المدينة على سكانها، فقد قاموا بردم الوادي الملاصق للجدار الغربي للحرم الشريف -حائط البراق- بإنشاء عقود ضخمة جرى ردمها من الأعلى، من أجل توسيع الأحياء المبنية بجوار الحرم الشريف... والنفق الذي أحدث انتفاضة 1996 هو الفراغ الذي تشغله من الأسفل هذه العقود..!
          ثم يكمل السلطان سليمان القانوني، آخر مشهد للطبوغرافية العربية لمدينة القدس، بإعادة تشييد أسوار المدينة وعماراتها.. وقد بقيت أعمال هذا السلطان العظيم شاهدة على عروبة القدس حتى مطلع هذا القرن..
التشكيل الجيوسياسي الديموغرافي للقدس تحت الانتداب البريطاني :
          على مدى التاريخ الإسلامي لم تقع خلافات ذات بال حول العلاقة بين اليهود والقدس، وبينهم وبين السلطات الإسلامية، وصولاً إلى بروز الحركة الصهيونية السياسية في نهاية القرن التاسع عشر، وبشكل أكثر تحديداً إلى عهد الانتداب البريطاني على فلسطين 1922- 1948م، وتبنّي المشروع الاستيطاني الغربي في فلسطين، حيث برزت للمرة الأولى مطامع يهودية في القدس ُغلّفت برؤى دينية، وراحت تلقي بظلالها الكئيبة على العلاقة بين اليهود والمسلمين في القدس، ولاسيما بخصوص الرغبة اليهودية في تغيير الأمر الواقع الذي استمر لقرون طويلة من التاريخ الإسلامي وتاريخ القدس حول وضع الأماكن اليهودية المقدسة حقيقة أو مجازاً، وهذه الرغبة اليهودية استندت إلى رؤى وتصوّرات وضعت الوجود اليهودي في القدس وفلسطين عامة، وفي دوائر أوسع بكثير من هاتين الدائرتين، في حالة من الصدام المروّع مع أهل فلسطين، وكانت القدس أحد أبرز ساحات هذا الصدام(التقرير الاستراتيجي العربي 2000م، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، مؤسسة الأهرام، مصر، يناير 2001م، ص 269.).
          كان الالتزام الدولي تجاه مدينة القدس ينص على: أن تكون الدولة المنتدَبة (بريطانيا) مسؤولة عن تأمين عدم التنازل عن أي أرض فلسطينية وكانت تضم مدينة القدس أو تأجيرها، أو بأي وجه آخر، وضمّها تحت سيطرة أي حكومة أجنبية(د. صالح بن بكر الطيار، محاضرة بعنوان: "القانون الدولي يكرّس الحق العربي والإسلامي في المدينة المقدسة"، عن المركز الفلسطيني للإعلام على شبكة الانترنت: www Palestine.info.info..)، إلاّ أن الهيئة اليهودية بفلسطين بمساعدة حكومة الانتداب قامت بتشجيع الهجرة اليهودية، مما أثّر على مدينة القدس، فتزايد عدد سكانها اليهود، وبحسب إحصاء عام 1922م الذي قدمّته حكومة الانتداب بلغ سكان المدينة من العرب (340،56) نسمة، والسكان اليهود (431،3) نسمة، وعند انتهاء الانتداب البريطاني عام 1947م، بلغ عدد السكان العرب (590،150) نسمة، والسكان اليهود (520،102) نسمة، حيث تضاعف عدد السكان اليهود بما يقارب (30) مرة، بينما لم تتجاوز الزيادة في عدد السكان العرب (3) أضعاف(سعود بن عبدالعزيز الدايل، الوضع القانوني للقدس، مجلة بحوث دبلوماسية، معهد الدراسات الدبلوماسية، دار البلاد للطباعة بجدة، ص 123).
          بعد ذلك تحوّلت القضية إلى الأمم المتحدة التي أصدرت قرار التقسيم رقم (181) في نوفمبر 1947م، الذي قضى بتقسيم فلسطين إلى دولتين: إحداهما عربية والأخرى يهودية، وأوصت الأمم المتحدة: بأن يكون لمدينة القدس كياناً مستقلاً خاضعاً لنظام دولي خاص تحت إدارة الأمم المتحدة، وأن يؤلف مجلس وصاية يؤدي مهام السلطة الإدارية بالنيابة عن الأمم المتحدة. أما حدود المدينة (الكيان المستقل) فيشمل بلدية القدس، مضافاً إليها القرى والبلدان المجاورة، إلاّ أن شروط التقسيم لم تنفّذ وعندئذٍ تبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار (194) في 11-12-1948م، الذي نص على أن منطقة القدس يجب أن تلقى معاملة خاصة ومنفصلة عن بقية فلسطين، وأن توضع تحت السلطة الفعلية للأمم المتحدة(
هاني رسلان، موقع القدس في المفاوضات، مجلة السياسة الدولية، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، مؤسسة الأهرام، مصر، العدد (83)، سبتمبر 1995م، ص 102.). وقد ردّ "بن جوريون" على ذلك بقوله: إن المسألة الآن بالنسبة لوجودنا ومستقبلنا هي قوتنا العسكرية، فعليها يتوقّف ذلك كله بالنسبة إلى مسألة إن كانت القدس داخل الدولة (اليهودية) أو لم تكن"(. د. صالح بن بكر الطيار، مرجع سابق).

ترسيم الحدود عام 1921:
          حيث ضمت حدود البلدية القديمة قطاعاً عرضياً بعرض 400م على طول الجانب الشرقي لسور المدينة، بالإضافة إلى أحياء (باب الساهرة، ووادي الجوز والشيخ جراح) من الناحية الشمالية، ومن الناحية الجنوبية انتهى خط الحدود إلى سور المدينة فقط، أما الناحية الغربية والتي تعادل مساحتها أضعاف القسم الشرقي، فقد شملتها الحدود لاحتوائها تجمعات يهودية كبيرة، بالإضافة إلى بعض التجمـعات العربيـــة (القطمون، البقعة الفوقا والتحتا، الطالبية، الوعرية، الشيخ بدر، مأمن الله).

حدود عام 1946-1948:
          أما المخطط الثاني لحدود البلدية فقد وضع عام 1946، وجرى بموجبه توسيع القسم الغربي عام 1931، وفي الجزء الشرقي أضيفت قرية سلوان من الناحية الجنوبية ووادي الجوز، وبلغت مساحة المخطط 20,199 دونماً، كان توزيعها على النحو التالي:
- أملاك عربية 40%.
- أملاك يهودية 26,12%.
- أملاك مسيحية 13,86%.
- أملاك حكومية وبلدية 2,9%.
- طرق سكك حديدية 17,12%، المجموع 100%.

          وتوسعت المساحة المبنية من 4130 دونماً عام 1918 إلى 7230 دونماً عام 1948، وبين عامي (1947، 1949) جاءت فكرة التقسيم والتدويل، لأنّ فكرة تقسيم فلسطين وتدويل القدس لم تكنْ جديدة فقد طرحتها اللجنة الملكية بخصوص فلسطين (لجنة بيل)، حيث اقترحت اللجنة إبقاء القدس وبيت لحم إضافةً إلى اللد والرملة ويافا خارج حدود الدولتين (العربية واليهودية) مع وجود معابر حرة وآمنة، وجاء قرار التقسيم ليوصي مرة أخرى بتدويل القدس. وقد نصّ القرار على أنْ تكون القدس (منطقة منفصلة) تقع بين الدولتين (العربية واليهودية) وتخضع لنظام دولي خاص، وتُدار من قِبَل الأمم المتحدة بواسطة مجلس وصاية يقام لهذا الخصوص وحدّد القرار حدود القدس الخاضعة للتدويل بحيث شملت (عين كارم وموتا في الغرب وشعفاط في الشمال، وأبو ديس في الشرق، وبيت لحم في الجنوب)، لكن حرب عام 1948 وتصاعد المعارك الحربية التي أعقبت التقسيم أدّت إلى تقسيم المدينة إلى قسمين.

التشكيل الجيوسياسي الديمغرافي للقدس بعد وحدة الضفتين :
بعد حرب عام 1948م، قامت إسرائيل بالاستيلاء على الجزء الغربي من مدينة القدس، وهو يزيد عن (80%) من مساحة المدينة، مما جعل الجمعية العامة للأمم المتحدة تعيد التأكيد على قرارها السابق (194) بقرار جديد رقم (303) في 9 ديسمبر 1949م يوصي بوضع القدس تحت نظام دولي، ويطالب بمجلس وصاية يتولّى فكرة التدويل، فعملت إسرائيل على فرض الأمر الواقع بنقل وزاراتها ودواوينها الحكومية من تل أبيب إلى القدس الغربية متحدّية القرار، وتم عقد جلسات الكنيست الإسرائيلي في القدس الغربية، ثم نقلت وزارة الخارجية الإسرائيلية إليها في يوليو 1953م، وفشلت جهود الأمم المتحدة لإعلان القدس منطقة منزوعة السلاح أمام التعنّت الإسرائيلي بل إن إسرائيل قامت عام 1949م بالاستيلاء على المنطقة المنزوعة السلاح بينها وبين الأردن، وبدأت تنادي بأن يقتصر التدويل على الأماكن المقدسة وكلها واقعة في المنطقة العربية من القدس(. سعود عبدالعزيز الدايل، مرجع سابق، ص 42.). وبقيت القدس حتى عام 1967م مقسّمة، ولم يعترف المجتمع الدولي بوصاية إسرائيل على القدس الغربية، (د. صالح بن بكر الطيار، مرجع سابق). و كانت القدس قد تقسمت إلى قسمين وتوزعت حدودها نتيجة لخط وقف إطلاق النار إلى:

- مناطق فلسطينية مساحتها 2,220 دونماً 11,48% ، عرفت بالقدس الشرقية .
- مناطق فلسطينية احتلتها اسرائيل ومساحتها 16,261 دونماً 84,13% ،عرفت بالقدس الغربية.
- مناطق حرام ومناطق للأمم المتحدة 850 دونماً 4,40%.
وبذلك يصبح مجموع مساحة مدينة القدس كاملة : 19,331 دونماً عام 1948.
          وبتاريخ 13/7/1951 جرت أول انتخابات لبلدية القدس العربية، وقد أولت البلدية اهتماماً خاصاً بتعيين وتوسيع حدودها البلدية، وذلك لاسيتعاب الزيادة السكانية العربية واستفحال الضائقة السكانية وصودق على أول مخطط يبين حدود بلدية القدس (الشرقية) بتاريخ 1/4/1952، وقد ضمّتْ المناطق التالية إلى مناطق نفوذ البلدية (قرية سلوان، ورأس العامود، والصوانة وأرض السمار والجزء الجنوبي من قرية شعفاط), وأصبحت المساحة الواقعة تحت نفوذ البلدية 4,5كم2 في حين لم تزِدْ مساحة الجزء المبنيّ منها عن 3كم. وفي 12/2/1957 قرر مجلس البلدية توسيع حدود البلدية، نتيجة للقيود التي وضعها (كاندل) في منع البناء في سفوح جبل الزيتون، والسفوح الغربية والجنوبية لجبل المشارف (ماونت سكويس) بالإضافة إلى وجود مساحات كبيرة تعود للأديرة والكنائس، ووجود مشاكل أخرى مثل كون أغلبية الأرض مشاعاً ولم تجرِ عليها التسوية (الشيخ جراح وشعفاط)، وهكذا وفي جلسة لبلدية القدس بتاريخ 22/6/1958 ناقش المجلس مشروع توسيع حدود البلدية شمالاً حيث تشمل منطقة بعرض 500 م من كلا جانبي الشارع الرئيسي المؤدّي إلى رام الله ويمتدّ شمالاً حتى مطار قلنديا. (مركز المعلومات الوطنيّ الفلسطينيّ  ، الأربعاء 3 تشرين الأول ، 2007  )

شكل رقم (1)

التغييرات الجيوسياسية لمدينة القدس الشرقية حتى العام 1967



 وقد لقيت مدينة القدس بعد وحدة الضفتين عناية فائقةحيث تم تشكيل لجنة بموجب قانون خاص لاعمار المقدسات الاسلامية في الحرم القدسي الشريف عرف بقانون اعمار المسجد الأقصى المبارك والصخرة المشرفة رقم 32 لسنة 1954م.

واشتمل الاعمار على ما يلي :
1.  اعمار المسجد الأقصى المبارك وترميم جدرانه الخارجية الحجرية وتركيب أعمدة رخامية لاربعة أروقة في الناحية الشرقية منه وتركيب نوافذ من الزجاج الملون بالاضافة الى ترميم الأسقف والجدران الداخلية والخارجية.
2.  اعمار قبة الصخرة المشرفة وتركيب قبة خارجية من الألمنيوم الذهبي اللون وتركيب رخام للجدران الداخلية والخارجية واعادة ترميم الفسيفساء فيها وكتابة الآيات القرآنية.
التغييرات الجيوسياسية والديموغرافية التي انتهجتها ادارة الاحتلال الاسرائيلي لمدينة القدس ما بين الفترة 1967 حتى الان : (المدخل إلى القضية الفلسطينية، تحرير جواد الحمد، د. إبراهيم أبو جابر ص 544.)
              قامت إسرائيل في 7 يونيو 1967م باحتلال القدس بكاملها خلال عدوان 5 يونيو 1967م، واتخذت إجراءت من شأنها تغيير الطابع العمراني للمدينة وتكوينها الديموغرافي وهيكلها العام، وذلك عن طريق إقامة طوق من المستعمرات حول المدينة، ومصادرة الأراضي العربية، وتعريض المقدسات الإسلامية للانتهاك أكثر من مرة، وكذلك المقدسات المسيحية.
          وتركّزت قرارات الأمم المتحدة ضد إسرائيل في إدانة ما اتخذته من إجراءات لضم وتهويد المدينة وتغيير تكوينها الديموغرافي، ومن بين قراراتها: قرارا الجمعية العامة (2253) و (2254) في 14-7-1967م، اللذان أعربا عن القلق من الوضع السائد في القدس، وطلبا من إسرائيل إلغاء كل الإجراءات التي اتخذتها، والكفّ فوراً عن القيام بأي عمل من شأنه تغيير وضع القدس. ثم صدر قرار مجلس الأمن (242) في نوفمبر 1967م مطالباً إسرائيل بالجلاء عن الأراضي العربية المحتلة بما فيها القدس ونتيجة لعدم امتثال إسرائيل للقرار، أصدر مجلس الأمن القرار (252) في 21-5-1968م، والذي نصَّ على اعتبار جميع الإجراءات الإدارية والتشريعية والأعمال التي قامت بها إسرائيل بما في ذلك مصادرة الأراضي والأملاك التي من شأنها أن تؤدي إلى تغييرالوضع القانوني للقدس هي إجراءات باطلة، وبالإضافة إلى ذلك، فقد أصدر مجلس الأمن طائفة من القرارات المتعلقة بالقدس، كان أهمها القرار (672) في أكتوبر 1990م، الذي أدان إسرائيل بالإجماع لارتكابها أعمال عنف ضد الفلسطينيين في ساحة المسجد الأقصى في 8-10-1990م، وقد طالب هذا القرار إسرائيل بصفتها "قوة احتلال" بالوفاء بمسؤولياتها القانونية المقررة بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، ودعا السكرتير العام للأمم المتحدة إلى إرسال جمعية تقصي حقائق للمنطقة، وعندما رفضت إسرائيل تنفيذ القرار، أصدر المجلس قراراً آخر بالإجماع برقم (673) في 24-10-1990م أكّد فيه المجلس إصراره على أن تمتثل إسرائيل لقرار مجلس الأمن السابق (672)(
أحمد صبري الدبش، مجلة الدبش، العدد (10)، أكتوبر 1999م.).
          ويتضح مما سبق أن الشرعية الدولية، اعتبرت القدس أرضاً محتلة يجب إعادتها للسيادة العربية بشكل واضح لا يحتمل الغموض، ومع ذلك ظلت إسرائيل خلال تلك الفترة تمارس مخططها الرامي إلى تهويد المدينة، فكانت قد أعلنت في ديسمبر 1974م عن مشروع القدس الكبرى الذي يوسّع حدود القدس ليضمّ ثلاث مدن وسبع وعشرين قرية عربية، ثم إعلان 30-7-1980م بأن القدس الموحّدة عاصمة أبدية لإسرائيل. وبلغ عدد اليهود في القدس الشرقية في يوليو 1993م (158) ألف يهودي مقابل (155) ألف عربي، ويمثّل اليهود في شطري المدينة الغربي والشرقي 73% من السكان، بينما يمثّل العرب 27% فقط(
هاني رسلان، مرجع سابق، ص 104.).
         قامت سلطات الاحتلال بتغيير المعالم الجيوسياسية والديموغرافية القدس بعد عام1967م بهدف تهويدها ، ويمكن إيجازها بما يلي:

اولا : تغيير معالم وهوامش مدينة القدس:
منذ اللحظة الأولى لاحتلال القدس عملت السلطات “الإسرائيلية” على تغيير التركيب الداخلي لمدينة القدس العربية مع التركيز على المدينة القديمة وتغيير هوامش المدينة، ووضع خطة متكاملة عام 1972م تحت اسم (خطة التنمية الخاصة)، لإعادة تخطيطها بهدف تغيير العوامل الطوبغرافية والديمغرافية والمعمارية والتاريخية والاقتصادية والجغرافية، وجعلها موضع إسقاطات تخطيطية مستقبلية حتى سنة 2000 لتغيير معالم مدينة القدس وهوامشها تماماً، وتخطيط أماكن الحفريات الأثرية الراهنة والمستقبلية بدعوة التاريخ المزيف  لليهود (يحيى الفرحان، مرجع سابق، ص 136 ) .
وفي الحقيقة بدأ التغيير في الأسبوع الأول من احتلال القدس كما أشرنا وقد أدت الإجراءات الفورية التي قامت بها الحكومة “الإسرائيلية” إبان احتلال القرى إلى مصادرة واقتطاع نحو 20% من مساحة البلدة القديمة وأدى إلى طرد أكثر من 7500 مواطن خارج أسوار المدينة، ومصادرة 630 عقاراً، وهدم 135 عقاراً، وتعيين الحدود الجائرة إلى جعل عدة آلاف من المواطنين الفلسطينيين خارج حدود البلدية، واختل بذلك الميزان الديمغرافي، وأصبح 1:3 لصالح اليهود ضمن حدود البلدية .
وباختبار التخطيط قصير المدى والتخطيط بعيد المدى الذي وضعه الصهاينة، يمكن إيجاز أهداف الإجراءات الصهيونية بالنقاط التالية:
تركيز أغلبية سكانية يهودية في القدس، بحيث تكون العامل الحاسم في أي اتفاق مستقبلي حول المدينة .
خلق حقائق سكانية تمنع تقسيم المدينة مجدداً .
ج) محاصرة القدس العربية بما فيها البلدة القديمة استراتيجياً، وذلك بتوطين السكان اليهود بكثافة عالية تلغي عملياً أي أهمية لاحتمال إعادة تقسيم المدينة، أو تسليم القسم الشرقي منها لسلطة أخرى .
د) عزل القدس العربية عن المراكز العمرانية الحضارية والريفية الأخرى في الضفة الغربية، من خلال تواجد تجمعات سكانية يهودية ضخمة .
هـ) دفع المواطنين الفلسطينيين إلى إقامة المساكن خارج الحدود البلدية .
ولتحقيق هذه الأهداف شرعت السلطات الصهيونية بعملية مزدوجة ارتكزت على السيطرة الإجرائية على أراضي المواطنين الفلسطينيين واستهدفت إقامة تجمعات استيطانية ضخمة مستفيدة من الوضع الطوبغرافي للأراضي المحيطة بالمدينة وكذلك منع العرب من بناء المساكن وذلك بتضييق الرقعة التي يسمح بالبناء فوقها، وتعقيد إجراءات الحصول على الرخص للبناء بل ومنعها في غالب الأحيان (عبد الرحمن أبو عرفة، مرجع سابق، ص 223 ) .( شكل "2 " )

  
شكل رقم " 2 "
حدود بلدية القدس منذ تاريخ 1947-2000
وفي احصائية حديثة اخرى ، تشير الى اعداد المنازل  المهدمة من قبل الاحتلال الصهيوني كسياسة منظمة في الضفة الغربية بشكل عام ، وفي القدس بشكل خاص : (جدول 1 )
جدول (1)
هدم البيوت في الضفة الغربية (يشمل شرقي القدس)
(منذ عام 1999م حتى 2004م
 
سنة
شرقي القدس بلدية القدس
شرقي القدس وزارة الداخلية
الضفة الغربية
المجموع
1999
17
14
101
132
2000
9
7
41
57
2001
32
9
186
227
2002
36
9
276
321
2003
63
33
306
402
2004
93
21
139
253
المجموع
250
93
1049
1392
المصدر : موقع مركز المعلومات الاسرائيلى لحقوق الإنسان.
ثانيا : تهويد المرافق والخدمات العامة:
وذلك بإلغاء الإدارات العربية ونقل قسم منها إلى خارج مدينة القدس وربط شبكتي المياه والهاتف بالقدس الغربية منذ عام 1948م، وإلحاق الدوائر العربية بالدوائر “الإسرائيلية” مثل، عمال وموظفي بلدية القدس العربية، وسن تشريع يفرض على أصحاب المهن العرب الالتحاق بالمؤسسات “الإسرائيلية” ليسمح لهم بمزاولة عملهم .
وصاحب هذا الإجراء الاستيلاء على مستشفى المقاصد الخيرية الإسلامية وتحويله إلى وزارة للشرطة، ثم وضع اليد على مستشفى الحكومة الجديدة لتخصيصه كمكاتب للشرطة، وتخصيص القصر العدلي ليكون مقراً لدائرة المخابرات (سامي الحكيم: القدس، مكتبة الأنجلو المصرية، ص 254 ) .
ثالثا : تركيز المؤسسات الصهيونية في القدس المحتلة:
وضمن هذا الإطار قامت السلطات “الإسرائيلية” بتركيز المؤسسات السياسية والإدارية الصهيونية في مدينة القدس العربية، وذلك بنقل عدد من الوزارات والدوائر الرسمية “الإسرائيلية” إلى القدس العربية، ومنها محكمة العدل العليا، وزارة العدل، مقر رئاسة الشرطة، مكاتب الهستدروت، وزارة الإسكان، مكاتب المؤتمر الصهيوني، مقر رئاسة الوزراء، كما طلبت الحكومة “الإسرائيلية” من الدول الأجنبية نقل سفاراتها إلى القدس المحتلة، وقد نفذت بعض الدول الإمبريالية هذا المطلب .
رابعا :  طمس الهوية والثقافة الوطنية وتهويد التعليم:
وتمثل ذلك بإلغاء مناهج التعليم العربية في المدارس الحكومية بمراحلها الثلاث، وتطبيق منهاج التعليم الإسرائيلي، والاستيلاء على متحف الآثار الفلسطيني وحظر تداول الآلاف من الكتب الثقافية والعلمية العربية الإسلامية ومراقبة النشر والصحافة مراقبة صارمة، وإطلاق الأسماء اليهودية على الشوارع والساحات في القدس العربية (الموسوعة الفلسطينية، مرجع سابق، ص 522 ).
وضمن هذا الإطار قامت السلطات “الإسرائيلية” في 25/7/1967م بإجراء احصاء عام لسكان القدس، سجلت خلاله جميع الموجودين فيها من مواطنين وأجبرتهم خلال ثلاثة أشهر على الحصول على بطاقة هوية إسرائيلية، واعتبرت غير الموجودين منهم أثناء الإحصاء غائبين ومنعتهم من حق الرجوع والسكن في المدينة، ويقدر هؤلاء مع عائلاتهم بما لا يقل عن مائة ألف عربي (محمود العابدي، مرجع سابق، ص 180 )، وقد قضت عملية التهويد والاحتلال والإحصاء بإلغاء حقهم الدولي في الانتساب للقدس، بينما منح هذا الحق لكل يهودي في العالم .
ومن الجدير ذكره أنه كان في القدس أثناء الاحتلال ثلاثون مدرسة للذكور والإناث و14 مدرسة طائفية وأهلية يدرس فيها حوالي خمسة عشر ألف طالب وطالبة .
فتحت المدارس الحكومية بالقوة والتحق بها المعلمين والمعلمات وامتنع كثيرون، ولقد تحول عدد كبير من طلاب المدارس الحكومية إلى المدارس الأهلية التي لا تجبر على تطبيق المنهج (الإسرائيلي) وهنا أصدرت سلطات الاحتلال قانون الإشراف على المدارس لسنة 1967م، الذي استهدف الإشراف الكامل على جميع المدارس الطائفية والأهلية ويفرض عليها الحصول على تراخيص إسرائيلية تجيز لها الاستمرار بالعمل في التعليم كما أصبح لها الإشراف على البرامج والتمويل.
وبرامج التعليم الإسرائيلي تستبعد كل ما ينتمي إلى الروح القومية العربية والابتعاد عن الثقافة العربية ليسهل صهرهم في البوتقة الإسرائيلية، وضمن هذا الإطار أصدرت الحكومة “الإسرائيلية” عام 1968م قانون التنظيمات القانونية الإدارية لسنة 1968م وهذا القانون يشكل حلقة جديدة من الإجراءات الرامية إلى إزالة عروبة القدس، باشتراط تسجيل الشركات والجمعيات التعاونية وأصحاب المهن وأرباب الحرف، والمحامين والأطباء والصيادلة والمهندسين حسب القوانين الإسرائيلية، وهو رغم مخالفته للقوانين والاتفاقات الدولية التي توجب الحفاظ على القوانين والأنظمة المرعية في البلاد المحتلة وتحديه لقرارات هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي التي رفضت قرار “إسرائيل” بضم القدس إليها وطلبت منها الرجوع عن ذلك القرار وإيقاف كافة إجراءات الضم، فإنه يعني من الناحية العملية فرض أمر واقع السلطات المحتلة، على أساس القوانين الإسرائيلية، وبالتالي التسليم بإجراءات الضم (المرجع السابق، ص 157 ) .
خامسا : تهويد الاقتصادي العربي:
حيث أغلقت السلطات “الإسرائيلية” البنوك العربية في القدس القديمة ومصادرة ودائعها وتحويل خمسة منها إلى بنوك إسرائيلية، واستبدلت  العملة الأردنية بالعملة الإسرائيلية، وضيقت على سكان القدس العرب بإكراههم على شراء المنتجات “الإسرائيلية” وفرض الضرائب عليهم بمختلف أنواعها لا سيما القيمة المضافة، ومنعت إدخال أي إنتاج زراعي أو صناعي عربي إلى القدس إلا برسوم جمركية والاستيلاء على شركة كهرباء القدس وتصفيتها باعتبارها المرفق الاقتصادي العربي الأكثر أهمية في القدس، وأدى هذا الترتيب التعسفي إلى تردي الحالة الاقتصادية لدى سكانها.
سادسا : التهويد الديني
وقد تمثل ذلك بالقيام بعدد من الإجراءات اللاأخلاقية ضد الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية بهدف تدميرها وتشويه الطابع الحضاري لمدينة القدس وإزالة الأماكن المقدسة والقضاء على ما تمثله هذه الأماكن من ارتباطات إسلامية ومسيحية بالمدينة المقدسة، ومن الأمثلة التي يمكن إيرادها في هذا المجال:
         إقامة الحفريات حول المسجد الأقصى وتحته، بحجة البحث عن الهيكل الذي (تدّعي) “إسرائيل” وجوده في منطقة المسجد الأقصى، وقد بدأت الحفريات عقب حرب 1967م مباشرة ولا تزال مستمرة حتى الآن وكان آخرها الإعلان عن فتح النفق الجديد عشية عيد الفطر اليهودي مساء 24/9/1996 تحت الحرم القدسي الشريف في خطوات أولية لهدم المسجد الأقصى وتقويض أساساته ويعد هذا الإجراء تحولاً أساسياً في السياسات “الإسرائيلية” تجاه المقدسات الإسلامية، لأن الاعتداء على هذه المقدسات قد انتقل  من ممارسات تقوم بها بعض المنظمات المتطرفة اليهودية، إلى إجراءات معلنة يدافع عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي شخصياً .
ويمتد هذا النفق مسافة 400 متر تحت الحي الإسلامي العربي في المدينة، ويسير على طول أساسات حائط المسجد الأقصى، ويبدأ من حائط البراق أسفل الحرم حتى يصل إلى شمال الحي الإسلامي، وقد فتح جزء منه بعد عام 1967م وهو يمر بشبكة من الأقبية المعقودة أيام المماليك، وفتح الجزء الثاني منه بعد عام 1987م وهو طريق يعود للعهد الروماني، أما الجزء الأخير وطوله 10 أمتار فقد فتح حديثاً، ويهدف إلى بناء سلم يصل إلى أقرب خزان ماء من العهد الروماني على طريق الآلام (طريق الشهداء )، ويفتح النفق الجديد بالقرب من المدرسة العمرية في البلدة القديمة من القدس، وكانت حكومة حزب العمل بزعامة إسحاق رابين قد سمحت بفتحه بتاريخ 24 يناير 1996م.
 وقد كشفت وزارة الأديان ووزارة الآثار الإسرائيليتين عن مشروع النفق عام 1987م وانتهت من أعمال تجهيزه وتجفيف المياه فيه وسد فتحاتها بكلفة ربع مليون دولار في أوائل عام 1995 م ،ويعد هذا النفق الثالث تحت أسوار الحرم القدسي حيث تم وصل هذا النفق بنفق البراق وهو نفق يبلغ طوله 500 متر ويتجه من الشرق إلى الغرب على طول المدينة. أما النفق الآخر الذي يعتبر نفقاً رئيسياً تحت البلدة فينطلق من مغارة سليمان في باب الساهرة، ويصل إلى وسط المدينة ويتفرع غرباً باتجاه باب الخليل وشرقاً تحت المسجد الأقصى باتجاه قرية سلوان ويذكر أن اقتراحات قدمت في السابق من جانب رؤساء أجهزة الأمن الإسرائيلي بالقيام ببث ليلي لتسجيلات أصوات حفارات ومطارق آلية حتى يعتاد الفلسطينيون على هذه الأصوات بحيث يتم في إحدى الليالي فتح باب النفق الجديد بعد أن تكون أصوات المعدات حقيقية (. إبراهيم أبو جابر، قضية القدس ومستقبلها، المدخل إلى القضية الفلسطينية،ص568)، وقد مرت هذه الحفريات بمراحل أدت إلى هدم وتصدع الكثير من المباني والعقارات الإسلامية المجاورة للمسجد الأقصى. وهناك أكثر من دليل يؤكد على استمرار الحفريات على طول سور الحرم حيث تنتشر أروع الأبنية الإسلامية التي بنيت في القرون الوسطى .
(ب) إحراق المسجد الأقصى المدبر من قبل سلطات الاحتلال في 21/8/1969 وتدبير محاولات نسفه كما حدث في مطلع عام 1980 على يد الحاخام مئير كاهانا وإطلاق النار على المصلين عدة مرات .
 (ج) الاعتداءات على المقدسات الإسلامية والمسيحية ومحاولة إقامة الصلوات في ساحة المسجد الأقصى والاعتداء على المقابر الإسلامية وتحطيمها كما حدث في مقبرة ماملا، وسرقة بعض محتويات كنيسة القيامة واستملاك الأراضي التابعة لبعض الأديرة المسيحية في القدس وفي يوم 24/1/1971 دخل يهودي أمريكي كنيسة القيامة متظاهراً بالزيارة وأخذ يطوف في أرجائها واغتنم فرصة خلو القبر المقدس من الزوار فأقدم بكل حقد على تحطيم قناديل الزيت والشموع المقامة على القبر وداسها برجليه (محمود العابدي، مرجع سابق، ص 207 ) .
سابعا: التهويد الديمغرافي:
وتمثل ذلك في:
تطبيق سياسة الإبعاد .
سن قانون أملاك الغائبين .
الانتخابات البلدية .
إصدار قانون للتعويض عن أملاك المواطنين العرب .
وقد نتج عن سياسة التهويد السابقة اختلال التركيب الديمغرافي في مدينة القدس ، ويتضح ذلك من خلال المقارنات التالية : 
1-   بلغ عدد سكان القدس بشطريها الشرقي والغربي عربا ويهودا عام 2000م حوالي 670 الف نسمة. (محمود عواد، د.زهير غنايم: القدس الوقائع، المواقع، السكان، والمساحة)
الجدول رقم (2)  يوضح توزيع السكان عرباً ويهوداً في شطري القدس
الشطر الشرقي
الشطر الغربي
العرب
اليهود
العرب
اليهود
215 ألف نسمة
185 ألف نسمة
بضعة آلاف
275 ألف نسمة
المصدر: نفس المصدر السابق.
الجدول رقم (3) يوضح نسبة العرب واليهود في شطري القدس عام 2000م
الشطر الشرقي
الشطر الغربي
القدس بكاملها
العرب
اليهود
العرب
اليهود
العرب
اليهود
53.75%
46.25%
1.60%
98.40%
32.33%
67.62%
المصدر: نفس المصدر السابق
2.      التطور السكاني لمدينة القدس
شهدت القدس تطوراً سكانياً فريداً انتهى بتغيير بنيتها السكانية لصالح المهاجرين والغرباء والمحتلين. وكان الاحتلال الإسرائيلي اليهودي الصهيوني واحداً من ابشع تلك الاحتلالات التي شهدتها القدس تغيرت معه ديموغرافياتها لصالح إسرائيل اذ يبلغ عدد المحتلين اليهود في القدس بشطريها الشرقي والغربي حوالي 400 ألف نسمة أي ما نسبته حوالي 68% من مجموع سكانها، بينما بلغ عدد سكانها الأصليين من العرب الفلسطينيين 220 ألف نسمة، أي ما بنسبة 32% تقريباً سنداً للإحصائيات الإسرائيلية، في حين تتحدث المصادر الفلسطينية عن (250) ألف نسمة.
الجدول رقم(4) يوضح التطور السكاني لمدينة القدس عربا ويهودا حسب سنوات مختارة:

النسبة
السنة
العرب
اليهود
المجموع
العرب
اليهود
1596
7510
100
7610
98.68%
1.32%
1849
9892
1790
11682
84.772%
15.228%
1871
10578
3780
14358
73.673%
27.437%
1918
30000
10000
40000
75.000%
25.000%
1922
28118
33971
62089
45.287%
54.713%
1931
39280
51223
90503
43.402%
56.598%
1947
65100
99400
154500
35.674%
64.336%
1948
86000
99000
185000
36.47%
53.513%
2000
220000
460000
680000
32.353%
67.647%
المصدر: نفس المصدر السابق


3.      التطور السكاني في الشطر الشرقي من القدس
الجدول رقم (5) يوضح التطور السكاني للعرب واليهود
في الشطر الشرقي من القدس ونسبة كل منهما لمجموع السكان
السنة
عدد العرب الفلسطينيين
عدد اليهود
المجموع الكلي
النسبة
العرب
اليهود
1967م
83000
%
83.000 نسمة
100%
000%
2000م
215000
185.000
400.000 نسمة
73.75%
26.25%
المصدر: نفس المصدر السابق
4.      التطور السكاني في الشطر الغربي من القدس
جدول رقم (6) يوضح التطور السكاني للعرب واليهود
في الشطر الغربي من القدس ونسبة كل منهما لمجموع السكان.
السنة
عدد العرب الفلسطينيين
عدد اليهود
المجموع الكلي
النسبة
العرب
اليهود
1967م
%
213000
213000
%
100%
2000م
5000 نسمة تخميناً
275000
280000
1.785
98.1215%
المصدر: نفس المصدر السابق
5.      التطور السكاني في القدس القديمة (القدس داخل الأسوار)
تظهر أحدث الإحصائيات الرسمية الإسرائيلية إن عدد العرب الفلسطينيين في القدس القديمة قد بلغ (30000) نسمة، بينما بلغ عدد اليهود (2000) نسمة، أي بنسبة 93.175% للفلسطينيين و16.25% لليهود.
تطوّر المواجهة في المجال الديمغرافيّ

          سيطر الهاجس الديمغرافيّ على المحتلّ منذ استيلائه على كامل القدس عام 1967، وهو يُحاول منذ ذلك الحين تحقيق أغلبيّة ديمغرافيّةٍ يهوديّة مريحة  في المدينة بوصفها عاصمة الدولة، وقد سنّ في سبيل ذلك عام 1973 قانوناً يُحدّد نسبة الفلسطينيّين في المدينة بـ22%، إلا أنّه لم يتمكّن من تحقيق هذه النسبة أبداً، فاليوم تبلغ نسبة الفلسطينيّين في المدينة 34% ومن المتوقّع أن تصل إلى 40% عام 2020 إلى ذلك بحسب تقديرات المحتلّ نفسه، لذا فإنّ عامل تعديل التوازن الديمغرافيّ يحتل رأس سلّم أولويّات الاحتلال في المدينة، ويُحرّك معظم مخطّطات البلديّة وبخاصّة المخطط الهيكليّ للقدس عام 2020.
ويعمل المحتلّ اليوم على تعديل التوزان الديمغرافيّ من خلال مساراتٍ 3، هي:
المسار الأوّل: تكثيف الاستيطان:
          يتركز جهد المحتلّ الاستيطانيّ حاليّاً على المستوطنات الموجودة في مشروع E1 شرق مدينة القدس، ومستوطنتي جبل أبو غنيم (هار حوما) وجيلو جنوب غرب مدينة القدس، والبؤر الاستيطانيّة في البلدة القديمة ومحيطها.
          وفيما يتعلّق بمشروع E1 فقد أعلنت سلطات الاحتلال في 1 شباط / فبراير2009 عن الانتهاء من تجهيز البنى التحتيّة للمشروع بالكامل. ما يعني أنّها ستبدأ مرحلة بناء وتجهيز الوحدات السكنيّة خصوصاً في الجهة الغربيّة من المشروع، وذلك لتحقيق تواصلٌ سكّانيّ بينه وبين الجزء الغربيّ من القدس، وما يُعزّز هذه النظريّة بدء الاحتلال بتهجير سكّان حيّ الشيخ جرّاح الذي يفصل مستوطنات غربيّ القدس عن مستوطنات شرقيّ القدس، وإذا ما تحقّق هذا التواصل بشكلٍ فعليّ فإنّ المسجد الأقصى والبلدة القديمة سيصبحان معزولين عن الأحياء الفلسطينيّة في في شمال القدس بشكلٍ كامل. بقي أن نذكر في النهاية أن كتلة أدوميم كاملةً والتي تبلغ مساحتها 61 كلم2 وتضمّ أكثر من 7 مستوطنات، بينها معاليه أدوميم أكبر مستوطنات الاحتلال على الإطلاق، تُعاني من ضعف الإقبال عليها بسبب بعدها عن مركز مدينة القدس التجاريّ وعن بقيّة مدن دولة الاحتلال، وهي مشكلةٌ يسعى الاحتلال لحلّها من خلال إجراءاتٍ عدّة، أبرزها مشروع إسكان الشباب في أقصى غرب مشروع E1 على أراضي قريتي عناتا والعيسويّة  والذي يحظى بدعمٍ كبير من رئيس بلديّة الاحتلال الحاليّ اليمينيّ نير بركات.

          أمّا مستوطنتي جبل أبو غنيم وجيلو جنوب المدينة فإنّ الاحتلال يُكثّف بناء الوحدات السكنيّة فيهما كونهما الخيار الأكثر قبولاً لدى جمهوره، فهما متصلتان فعليّاً بغربيّ القدس والأكثر قرباً من مركز المدينة التجاريّ، وبالتالي فإنّ البناء فيهما يُعدّ الأكثر جدوى لناحية تعديل الميزان الديمغرافي. لكن الملفت هنا أنّ أحداً في أوروبا أو أميركا أو حتى في العالم العربيّ لم يعد يعترض على البناء في هاتين المستوطنتين، علماً أن قرار حكومة نتنياهو السابقة في عام 1997 بدء البناء في مستوطنة جبل أبو غنيم عُدّ بمثابة رصاصة الرحمة لاتفاقيّة أوسلو، وأدى لإثارة ردود فعلٍ واسعة وصلت إلى مجلس الأمن قبل أن تسحب الولايات المتحدة الموضوع من على طاولة البحث بتهديدها باستخدام الفيتو ضدّ أي قرار يصدر عن المجلس بهذا الشأن.
          ويختلف وضع البؤر الاستيطانيّة في البلدة القديمة ومحيطها عن وضع المستوطنات عموماً، فهي تهدف في الأساس لإخلاء الأحياء الفلسطينيّة التي تنتشر فيها، أكثر مما تهدف لإسكان مستوطنين جدد، ذلك أنّ هذه البؤر لا يسكنها أعداد كبيرة من المستوطنين لكن يسكنها أكثر أنواع المستوطنين شراسةً وتطرّفاً ويكون هؤلاء محميّين بالكامل من قبل شرطة الاحتلال التي تُغطّي اعتداءاتهم في البلدة القديمة ومحيطها، وتساندهم بها من وراء حجاب. كما تُشكّل هذه البؤر الاستيطانيّة خلايا نشطة للمساعدة في أعمال الحفريّات أو بناء الكنس. وتتركّز البؤر الاستيطانيّة عموماً في ضاحية سلوان وجنوب الحيّ الإسلاميّ في البلدة القديمة وحيّ الشيخ جرّاح ويُقارب عددها الـ50. وخلال الفترة التي يُغطيّها تقريرنا كانت البؤر الاستيطانيّة في حي وادي الحلوة في سلوان الأكثر نشاطاً حيث ساهم سكّانها بشكلٍ فاعلٍ بالحفريّات الجارية هناك، وحاولوا احتلال عدد من العقارات كبناية آل الدويك، كما برزت الاعتداءات الجسديّة العنيفة التي نفّذها المستوطنون في منطة باب السلسلة ضدّ أهالي المنطقة والتي كانت تتكرّر بشكلٍ يوميّ بحماية من شرطة الاحتلال.
       

المسار الثاني: الجدار الفاصل
          إنّ الهدف الأوّل للجدار في القدس هو ضمّ أكبر مساحةٍ ممكنة من الأرض إلى الحدود البلديّة للمدينة  مع طرد أكبر عددٍ ممكن من المقدسيين منها، ولا يسعنا إلا أن نقول أنّ الجدار كان حتى الآن أنجع الوسائل "لتعديل الميزان الديمغرافيّ بالمدينة"، رغم أنّ المقدسيّين حاولوا مواجهته من خلال الانتقال بأعدادٍ كبيرة إلى الأحياء الموجودة داخله. إلا أنّ الجدار ومع اكتمال بناء حوالي 90% منه، تمكّن من عزل أكثر من 154,000 مقدسيّ عن مدينتهم، مع مصادرة أكثر من 163 كلم2 من الأراضي الفلسطينيّة وضمّها إلى حدود القدس البلديّة، علماً أن مساحة الحدود البلديّة لم تكن تتجاوز قبل بناء الجدار 123 كلم2 بشقيها الشرقي والغربي. لتتحوّل مدينة القدس بحسب الحدود البلديّة الجديدة التي فرضها المحتلّ إلى مدينة أخطبوطيّة تمتدّ من جنوب بيت لحم وحتى جنوب رام الله شمالاً، وتمتدّ إلى الشرق حتى تتصل بالمستوطنات في غور الأردن.
          وخلال الفترة التي يُغطيها التقرير في 3 شباط / فبراير أغلق الاحتلال بوابة ضاحية البريد التي كانت تربط بلدة الرام بالقدس عازلاً بذلك حوالي 60,000 مقدسيّ بشكلٍ تامٍّ عن المدينة، الأمر الذي سيؤدي إلى حدوث حركة نزوحٍ واسعة من البلدة باتجاه مدينة القدس، وبالتالي حدوث أزمةٍ في السكن والعمل لهؤلاء، تزيد من صعوبة أزمة السكن التي تُعاني منها القدس حاليّاً.
المسار الثالث: تهجير السكّان الفلسطينيّين:
          رغم أنّ هذه السياسة هي الأكثر قسوةً على السكّان الفلسطينيّين والأكثر إضراراً بهم، إلاّ أنّها أثبتت فشلها في تعديل الميزان الديمغرافيّ للمدينة لصالح الاحتلال، لكنّ المحتلّ يُتابع العمل بها من باب التضييق على المقدسيّين وتصعيب ظروف حياتهم في المدينة. ولأنّ نتائج هذه الطريقة محدودة في معادلة التوازن الديمغرافيّ ولأن تنفيذها أيضاً صعب ويُثير مشاكل سياسيّة، فإنّ المحتلّ لا يلجأ إليها على نطاقٍ واسع إلاّ نادراً.
          لكن في الآونة الأخير زاد المحتلّ من وتيرة عمليّات التهجير واسعة النطاق؛ وكان أبرزها تسليم حوالي 1900 مقدسيّاً يسكنون 120 عقاراً في حيّي البستان والعباسيّة في ضاحية سلوان جنوب المسجد الأقصى أوامر لإخلاء منازلهم، وهي عمليّة التهجير الأكبر التي ينوي المحتلّ تنفيذها في القدس منذ هدم حيّ المغاربة عام 1967. والهدف من هذه العمليّة ليس فقط تهجير السكّان المقدسيّين من مدينتهم، وإنّما استكمال تهويد قلب المدينة دينيّاً وثقافيّاً، من خلال بناء جزءٍ هامٍّ من المدينة اليهوديّة التاريخيّة وهو "حدائق الملك داوود"، ومن خلال تفريغه من السكّان الفلسطينيّين. ونعتقد أنّ إقدام الاحتلال على تسليم هذه الإخطارات الجماعيّة جاء في جزءٍ منه لإثبات قدرة وحيويّة المشروع الصهيونيّ بعد نكساته المتلاحقة في لبنان وغزّة. 
تهجير السكّان في حيّ الشيخ جرّاح الذي يحتوي على 28 عقاراً يأتي أيضاً في إطار مماثل، حيث يسعى الاحتلال للسيطرة على الحيّ ليؤمّن تواصلاً جغرافيّاً مباشراً بين مستوطنات القدس وشمال البلدة القديمة من ناحية، ويؤمّن اتصال معاليه أدوميم أكبر مستوطنات القدس، بالجزء الغربيّ من مدينة القدس من ناحيةٍ أخرى. 
             إضافةً لعمليّات التهجير الواسعة النطاق هذه، فقد نفّذ المحتلّ أو بدء بتنفيذ عمليّات تهجير أصغر حجماً في مختلف مناطق وأحياء القدس، كعمليّة تهجير سكّان 4 عقاراتٍ في منطقة رأس خميس شمال غرب مخيّم شعفاط، وتهجيرٍ سكّان 19 منزلاً في حيّ الطور، وتهجير سكّان 7 منازل في الحيّ الإسلاميّ في البلدة القديمة قرب منطقة برج اللقلق المُلاصقة لسور البلدة القديمة من جهة باب الساهرة، وذلك بهدف السيطرة على أراضي المنطقة التي تصل مساحتها لـ16 دونماً لإقامة بؤرةٍ استيطانيّة فوقها حيث أنّ الاحتلال فشل حتى الآن في تحقيق وجودٍ له في هذه المنطقة. (إدارة الإعلام والمعلومات في مؤسسة القدس الدوليّة ،تقرير حال القدس خلال الفترة من كانون الثاني/يناير وحتى آذار/مارس 2009 )
ثامنا :  التهويد العمراني:
ملكية الأاراضي في القدس القديمة (البلدة القديمة المسورة)
جدول رقم(7) يوضح ملكية الأراضي بالنسبة للعرب واليهود
في القدس القديمة ومساحتها آنذاك 871 دونماً
الملكية
قبل النكبة عام 1948
بعد احتلال عام 1967
المساحة
النسبة المئوية
المساحة
النسبة المئوية
عرب (مسلمين ومسيحيين)
866 دونماً
99.5%
700 دونماً
80.5%
يهود
5 دونمات
0.05%
171 دونماً
19.5%
 
 
 لذلك قرر الصهاينة مصادرة اراضي الفلسطينيين في القدس فمنذ أن وقع الاحتلال عام 1967م، قامت السلطات “الإسرائيلية” مباشرة بمصادرة الأراضي سواء في القدس القديمة، أو في المناطق المحيطة بالقدس العربية وهذه المناطق هي:
منطقة حي الشرفة وحي المغاربة في القدس القديمة ، منطقة جبل سكوبس (الشهداء) ، أراضي بيت جالا ، أراضي شرفات ،  أراضي منطقة النبي يعقوب ، أراضي منطقة الشيخ جراح ، أراضي قرية صور باهر ، أراضي قرية شعفاط ، أراضي منطقة قلندية  .
واستمرت عمليات المصادرة في مراحل لاحقة، وتمثل ذلك في زيادة المساحات المصادرة في منطقة بيت جالا، والنبي يعقوب، وعناتا، والعيزرية، والنبي صموئيل، وسن الإسرائيليون قوانين تمنع البناء في مساحات شاسعة شملت مختلف مناطق المدينة، وأعلن عن أخرى مساحات خضراء يمنع البناء بها، وقد ترتب على هذه الإجراءات مصادرة ومنع البناء في جميع الأراضي العربية التي كانت تشكل الاحتياطي لتوسع المناطق السكنية العربية في ضوء الزيادة السكانية المحلية، ولم يتبق لهؤلاء المواطنين سوى بعض قطع الأراضي الصغيرة المتناثرة ضمن المناطق السكنية المقامة عام 1967.
التخطيط المستمر لإخلاء السكان العرب وعرقلة النمو العمراني وهو ما نطلق عليه "التهويد العمراني" قامت السلطات “الإسرائيلية” مباشرة بعد الاحتلال بعمليات تهجير للمواطنين العرب من خلال تدمير ومسح بعض الأحياء كحي المغاربة وحي الشرفة، وكذلك من خلال "إعمار الحي اليهودي" الحكومية، وقد أخذت هذه الشركة على عاتقها عملية تهجير السكان العرب باتباع أساليب الترغيب والترهيب، التي وصلت إلى حد ضرب أساسات المباني وتصديع جدرانها، وبالتنسيق مع بلدية القدس اليهودية، وقامت البلدية بتوجيه إنذارات رسمية إلى السكان العرب بإخلاء مساكنهم بحجة "السلامة العامة"، وبالرغم من رفض السكان العرب إخلاء مساكنهم فقد أجبرت البلدية وبالقوة الكثير على إخلاء هذه المساكن، التي أعيد تصليحها فيما بعد، وسكنت من قبل سكان يهود، ولم يسمح للمواطنين العرب بالرجوع إلى المساكن التي تركوها أو حتى شراءها ثانية .
من جهة أخرى قامت السلطات “الإسرائيلية” بمصادرة أراضي المواطنين العرب في مناطق واد الجوز والعيزرية، لإقامة مساكن بحجة تطوير المناطق السكنية العربية، وقامت ببيع الأرض وما عليها من غير ملاك الأراضي مستغلة ذلك الأمر لأغراض الدعاية .
إضافة لما سبق، فرضت بلدية القدس اليهودية إجراءات معقدة لمنح رخص البناء للمواطنين العرب، وكذلك رفض الترخيص في أغلب الأحوال، وفرض رسوم باهظة على رخص البناء، بهدف عرقلة النمو العمراني أو إيقافه في الأحياء السكنية العربية، وقد دفع هذا الوضع المواطنين العرب إلى بناء بعض المساكن بدون ترخيص بعد أن اكتظت مساكنهم، واتهمت الصحف الإسرائيلية، وأعضاء البلدية من حزب الليكود بأن العرب يقيمون مستوطنات محصنة دفاعية، وأشاروا إلى 705 مسكناً تمكن العرب من بنائها في القدس فيما بين 1968 و 1974م، أي بمعدل يقرب من مائة مسكن سنوياً، وقد طالبوا بهدم تلك المساكن بحجة أنها غير قانونية، وبالرغم من تزايد الطلب على المساكن لمواجهة النمو السكاني الطبيعي للمواطنين العرب، إلا أن السلطات “الإسرائيلية” تمنع بناء أي مسكن في المنطقة (عبد الرحمن أبو عرفة، مصدر سابق، ص 226 ) .
 
استمرار التخطيط الاستيطاني
يمكن القول إن النموذج الاستيطاني في المدينة المقدسة يختلف عن سائر أنواع الاستيطان في الأراضي المحتلة، نظراً لأهمية القدس التاريخية والدينية والحضارية للمسلمين والمسيحيين واليهود، ولذلك بوشر ببدء مشاريع الاستيطان والتخطيط لها بعد احتلال القدس العربية مباشرة .
وقد بدأ النموذج الاستيطاني في القدس بمرحلتين هما (يحيى الفرحان، مرجع سابق، ص 146-145) :
المرحلة الاولى : التمهيد للاستيطان :
مرحلة التمهيد للاستيطان، والتي بدأت بعد أربعة أيام من احتلال مدينة القدس،  وتمثل ذلك في هدم أحياء سكنية عربية بكاملها وتهجير سكانها، ومصادرة معظم مساحات الأراضي الخلاء في المناطق المتطورة من القدس وهوامشها، وقد وضعت خطة خبيثة لإعادة استعمالات تلك الأراضي لتتفق وعمليات التصفية الحضارية والتهويد، كما أوقفت سلطات الاحتلال النمو العمراني في المناطق المتطورة من المدينة سواء قلب المدينة القديم، أو المناطق المحيطة بها. وقام المخططون الصهاينة بوضع خطة طبيعية، تهدف إلى تغيير معالم المدينة الحضارية بناء على معطيات الواقع البيئي والسياسي، وكذلك تغيير استعمالات الأراضي السائدة وتخطيط استعمالات الأراضي المكثف برتبه المختلفة ابتداءً بالأحياء السكنية، والمستوطنات الصغيرة، وانتهاءً بالقرى والمدن الاستيطانية بوظائفها المختلفة .
تخطيط شبكة الاستيطان بمستوياتها الآنفة الذكر، بحيث تخدم أهداف التغلغل في أحياء المدينة المقدسة، وبين القرى المحيطة بها، وتطويقها وعزلها عن مدن الضفة الغربية الأخرى، مع مراعاة التغيير السريع في المدينة وهوامشها، وإدخال طراز معماري مصمم وفق أسس الهندسة المعمارية العسكرية، حيث تشكل المباني وبخاصة واجهاتها المطلة على الأحياء والمناطق العربية ليس سوراً محصناً فحسب، بل قلاعاً يمكن استعمالها لأغراض الدفاع والهجوم .
وتمشياً مع أهداف الاستيطان وهو تغيير معالم (المشهد) الطبيعي والحضاري للمدينة وتجذر الاستيطان والمستوطنين، فقد تم وفق نظام مدروس من العمليات السياسية المنسقة، كما أخذ بعين الاعتبار في السياسة الاستيطانية التأثيرات والتدخلات الداخلية والخارجية ويتضح مما سبق بأن سياسة الاستيطان تقوم على أسس معرفة مداخلات البيئة المحلية للمدينة المقدسة وهوامشها بدقة متناهية، وتحديد العناصر البيئية التي يجب تغييرها جذرياً، ويشارك في صياغة قرارات الاستيطان، النظام السياسي، والأحزاب السياسية المختلفة، والمؤسسات الصهيونية المحلية والعالمية، والإمبريالية (من خلال الدعم المادي والعسكري والبشري)، ومؤسسات الجيش، وتؤكد التغيرات الجذرية في (المشهد) الطبيعي والحضاري التي أحدثتها السلطات “الإسرائيلية” في المدينة المقدسة، تعاظم عملية التصفية الحضارية وتهويد المدينة ومحيطها .
  المرحلة الثانية : الإجراءات الاستيطانية وتشمل :
- الاستيطان في البلدة القديمة:
فور الانتهاء من عمليات المصادرة والهدم عام 1967م داخل البلدة القديمة أخذت السلطات “الإسرائيلية” بإقامة تجمعات أو أحياء سكنية يهودية فيها، وقامت ببناء سوق تجارية وكنيس للصلاة
وقد جاءت عمليات الاستيطان العاجلة داخل البلدة القديمة مصاحبة لإجراءات التصفية الحضارية والتهويد الأخرى، وعلى رأسها توسيع ساحة حائط البراق على حساب العقارات الوقفية الإسلامية، والشروع في عمليات الحفر تحت الحائطين الغربي والجنوبي للمسجد الأقصى، وإصدار مختلف التعليمات والقوانين لتجريد العرب من أملاكهم، ومصادرة المزيد من الأراضي والعقارات في البلدة القديمة وخارج الأسوار وفي نطاق حدود أمانة القدس لعام 1967م.
- الاستيطان في حدود أمانة القدس لعام 1967م
أما المرحلة الثانية من مراحل الاستيطان المدينة فقد بدأت خلال عام 1968م بالشروع في إقامة حزام من الأحياء السكنية اليهودية يحيط بالقدس من الناحيتين الشمالية والجنوبية، ولم يكن الهدف من إقامة هذه الأحزمة الاستيطانية الثلاثة حول مدينة القدس عزل المدينة نهائياً عن الضفة الغربية، بسياجات من القلاع والمستوطنين فحسب، بل كانت هناك أهداف أخرى منها (سمير جريس، القدس، ص 133 وما بعدها ) :
تجزئة الضفة الغربية وتقطيع أوصالها جغرافياً وديمغرافياً، والقضاء على الوجود العربي الكثيف والذي يشكل رافداً يغذي الوجود العربي فيها باستمرار .
إحداث خلخلة سكانية في الضفة الغربية في وسط الضفة لتمزيقها .
جعل مدينة القدس العاصمة التي تركز فيها كل عوامل جذب واستقطاب النشاطات الاستثمارية والسياحية والصناعية والزراعية لليهود من جميع أنحاء العالم، فالمساحات الشاسعة من الأراضي التي تقع في نطاق القدس الكبرى ستمكن المخططين اليهود من توفير المناخات اللازمة والاستثمار والتوطن اليهوديين في هذه المنطقة .
إن خطة القدس الكبرى كما هو واضح لا تستهدف التهويد النهائي لمدينة القدس وتدمير طابعها الحضاري وتحويل العرب في إطارها إلى أقلية فحسب، بل تستهدف الاستمرار في خلق حقائق بشرية وجغرافية جديدة حول مدينة القدس وفي قلب الضفة الغربية .
ومما يؤكد أن سلطات الاحتلال ماضية في إخراج مشروع القدس الكبرى إلى حيز الوجود وعلى الصعيد التنظيمي في حين تم تنفيذ المشروع على صعيد الاستيطان بصورة أولية، ذلك الزحف التدريجي لحدود بلدية القدس على حساب الأراضي العربية المجاورة، وتوج ذلك بمصادقة بلدية القدس المحتلة في تموز من  عام 1980م على المخطط الهيكلي الجديد لمدينة القدس كما أقرته اللجنة اللوائية للتنظيم والبناء في بلدية القدس. وصل هذا المخطط الهيكلي بدل المخطط الهيكلي القديم لمدينة القدس لعام 1955م .
إن هذا المخطط إن دل على شيء فإنما يدل كما قال لوريس ممنورد الأمريكي الذي ينظر إليه على أنه فيلسوف على أن وصول المدينة إلى مرحلة التوحيد دينياً وثقافياً، وهو قول باطل كما أن النواحي السياسية والاقتصادية في المدينة لا تحمل طابع القابلية للتوحيد (محمود العابدي، مصدر سابق، ص 193 ).
إن “إسرائيل” لا تسعى فحسب إلى تهويد القدس، بل إنها تفرض مخيلاتها على أرض الواقع تسهم وتصر على تحويل القدس بهذه المستوطنات إلى شكل الوحش الممدد؟ فلماذا هذا الإصرار طالما أن التاريخ فرض لها شكلاً معيناً وسمتاً مستقلاً؟
القدس.. وآليات جديدة لاستردادها

بدأت إسرائيل في شهر سبتمبر/أيلول 1995، احتفالية الألف الثالثة لإعلان القدس عاصمة لمملكة يهوذا، منذ العام 996 ق.م. واستمرت الاحتفالية حتى نهاية العام 1996. وتهدف إسرائيل من وراء هذه المظاهرة إلى ترسيخ ادعاءاتها بحقوق الشعب اليهودي التاريخية والدينية في مدينة القدس ملكا خالصا له وعاصمة أبدية لدولته. ومن يتتبع مظاهر هذه الاحتفالية يجد أن التعبئة التاريخية والدينية والسياسية بلغت أقصى طاقاتها، إسرائيليًا ويهوديًا وصهيونيًا وعالميًا. وللصهيونية العالمية قدرات وطاقات واسعة ومشهودة في هذا المجال. وتقصد إسرائيل من احتفاليتها هذه أن ترسخ تزويرها للحقيقة والتاريخ، وأن تستقطب الاعتراف الواقعي بمركزية القدس ومكانتها في التاريخ اليهودي وفى دولة إسرائيل، تمهيدًا لمحو عروبة القدس والقدس العربية من ذاكرة التاريخ محوًا كاملاً. (هيثم الكيلاني , رئيس تحرير مجلة "شؤون عربية")
لم تنقطع السيادة العربية الإسلامية على القدس منذ القرن السابع الميلادي حتى اليوم. ولقد ترسخت تلك السيادة وأخذت أبعادها الحضارية طوال أكثر من خمسة عشر قرنا، حتى إذا بدأت الغزوة الصهيونية لفلسطين، تركزت على مدينة القدس، وأنشأت قدسا جديدة ملاصقة للقدس العربية. وفى إثر الحرب العربية – الإسرائيلية الأولى (1948) ارتسمت خطوط الهدنة الفاصلة بين شرقي القدس وغربيها.
وحينما شنت إسرائيل حربها الشاملة في صيف 1967، احتلت القدس العربية. بدأت منذ ذلك الوقت تغير معالم المدينة العربية في جميع المجالات، معلمًا وراء معلم، ومجالا إثر مجال، حتى إذا حان وقت إنجاز أسرلة المدينة، أعلنت إسرائيل "القدس الموحدة" عاصمة أبدية لها، ودعت الدول إلى نقل سفاراتها من تل أبيب إلى العاصمة الجديدة.
يستمد الموقف العربي تجاه قضية القدس شرعيته من الحقوق التاريخية والواقعية والقانونية للعرب والمسلمين في فلسطين بعامة، وفى مدينة القدس بخاصة. أما على الصعيد الدولي فإن الموقف العربي يستند إلى قرارات الأمم المتحدة (مجلس الأمن والجمعية العامة)، وهى قرارات كثيرة، بدأت بقرار الجمعية العام بتقسيم فلسطين (1811-29/11/1947) ثم قرارها (194 – 11/12/1948) القاضي بتدويل مدينة القدس، وانتهاء بقرارات آخر دورة للجمعية العامة، ومرورا بقرار مجلس الأمن 242 (19976) الذي يعتبر القدس العربية أرضا محتلة، وقراره 252 (1968) الذي طلب من إسرائيل إلغاء جميع إجراءاتها – الرامية إلى تغيير وضع القدس، وقراره 456 (1980) الذي دعا إسرائيل إلى تفكيك المستوطنات القائمة والتوقف عن بنائها وبخاصة في القدس، ثم قراره 478 (1980) الذي رفض ادعاء إسرائيل بأن القدس عاصمة أبدية لها، وأكد على عدم الاعتراف بذلك، ودعا القرار دول العالم إلى عدم التعامل مع القدس كعاصمة لإسرائيل.
وقد استمر وضع القدس من وجهة نظر القانون الدولي وتمسك العرب والمسلمين ومعهم المجتمع الدولي على هذه الحال، حتى جاء "إعلان المبادئ الفلسطيني – الإسرائيلي" (اتفاق أوسلو، 13/9/1993). فد نص هذا الإعلان في مادته الخامسة على أن مفاوضات "الوضع الدائم"، التي يحين موعدها في بداية السنة الثالثة من الفترة الانتقالية، ستغطى قضايا محددة، جاء في متن الإعلان بالترتيب التالي، القدس، اللاجئين، المستوطنات، الترتيبات الأمنية، العلاقات والتعاون مع جيران آخرين. كما نصت المادة نفسها على أن الطرفين متفان "على أن لا تجحف أو تخل اتفاقيات المرحلة الانتقالية بنتيجة مفاوضات الوضع الدائم".
وإذا ما عدنا إلى ملف قرارات الأمم المتحدة بشأن القدس، وإلى إعلان أوسلو، فإننا نلاحظ ما يلي:
    1-  تبنت القرارات وضعية خاصة للقدس، وأنزلتها في مكانة متميزة خاصة، تكاد تكون مستقلة.
  2- رفضت إسرائيل جميع هذه القرارات، بل تحدتها، حين أعلنت أن القدس الموحدة هي عاصمتها الأبدية وواصلت أسرلة المدينة في جميع المجالات. ولا تزال إسرائيل على رفضها تلك القرارات، وعلى تمسكها بعاصمتها الأبدية.
  3- وحينما وقعت إسرائيل إعلان أوسلو، التزمت بصورة معلنة ورسمية، بأن قضية القدس تشكل موضوعا للتفاوض. وهو موقف اعتبره بعض سياسيي قضية فلسطين – من الناحية المبدئية على الأقل – يشكل تراجعًا عن الموقف الإسرائيلي المكرر، ومضمونه أن قضية القدس غير قابلة للتفاوض.
وتكمن أهمية ما تضمنه إعلان المبادئ بشأن قضية القدس في أنه الوثيق الوحيدة التي وقعت عليها إسرائيل من نشوء القضية الفلسطينية حتى اليوم، وفيها نص محدد يخص القدس، ولأن السلطة الوطنية الفلسطينية وقعت على الوثيقة نفسها، فقد ذهبت الولايات المتحدة في تفسير اتفاق الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي على اعتبار قضية القدس قضية القدس من القضايا المتبقية التي تبحث في "مفاوضات الوضع الدائم" – ذهبت إلى أن هذا الاتفاق يجب ما قبله، وعلى هذا فإن قرارات الأمم المتحدة، ومنها قرارات مجلس الأمن، والموقف التقليدي للولايات المتحدة تجاه قضية القدس، أصبحت جميعها صفحات من التاريخ، رسمت تطور السياسات والمواقف، وانتهت إلى اتفاق تدعمه الولايات المتحدة، وهى الداعية لمؤتمر مدريد وعملية السلام ومساراتها.
وهذا التفسير الأمريكي، الجديد في ظاهره، القديم في جوهره، يلقى الضوء على الموقف الذي اتخذته واشنطن في مجلس الأمن منذ شهر مايو/ أيار 1995 حتى الآن، حين استخدمت حق النقض لإسقاط أي مشروع قرار يعرض على مجلس الأمن بشأن القدس والحق العربي والإسلامي فيها.
نتوقف هنا ليلا، لنقرن بين "التراجع" الظاهري الذي بدا في نص إعلان أوسلو بشأن القدس، وبين الموقف الأمريكي الجديد. وهو قرن يؤدى بنا إلى القول بأنه يصعب أن نفسر نص إعلان أوسلو على أنه "تراجع" إسرائيلي، أو أنه يتضمن، حكما وحتما، تعديلات في سياسة إسرائيل تجاه قضية الدس، أو يشكل منحنى فيها. لك أن بول مبدأ التفاوض بشأن القدس يفتح السبيل أمام ثلاث ملاحظات:
  1- قد لا يعدو أن يكون قبول مبدأ التفاوض سوى مناسبة لكي تؤكد إسرائيل قرارها بجعلها القدس عاصمة أبدية لها، مع اعترافها بالمكانة الدينية  للأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، وتحديد ترتيبات تسهل على المسلمين والمسيحيين ممارسة شعائرهم الدينية، وإدارة تلك الأماكن وصيانتها، وما إلى ذلك من شؤون.
  2- ليس تأجيل بحث قضية القدس إلى مرحلة "مفاوضات الوضع الدائم" سوى مناورة إسرائيلية واضحة، تتيح، من خلالها، لأحكام الفترة الانتقالية واتفاقياتها التنفيذية أن تتسخ، كما تنزع من الساحة أشكال المقاومة والمعارضة ومظاهرها، الواحد تلو الآخر، بحيث لا يبقى أمام الطرف الفلسطيني سوى وسيلة التفاوض سبيلا وحيدا لابد من سلوكه.
  3- وفى مثل هذه الحال، فإن القول الفصل والنهاية الحاسمة يكونان مرتبطين ارتباطا عضويا وحاكما بميزان القوى، وليس بأي عامل آخر.
حدود الأسرلة، ثم كرست ذلك بضم المدينة إليها وإعلانها عاصمة أبدية لها. وحتى تأخذ المدينة معالمها هذه، كان لابد من غزوها باليهود المهاجرين، وبخاصة المتدينين المتعصبين، وطرد العرب من أحيائهم وبيوتهم بوسائل مختلفة. إن الخطة الراهنة التي تطبقها الحكومة الإسرائيلية منذ صيف 1996 حتى اليوم، تجد الفكر الصهيوني الاستعماري الاحتلالي الهادف إلى امتلاك القدس خالصة لليهود دون غيرهم. ولعل مشروع بناء الهيكل الثالث يمثل أحد رموز ذلك الفكر. نضيف إلى ذلك خطط ذلك التيار الديني المتشنج الذي يضم جماعات إرهابية، كحركة كاخ وهتحيا وغوش  إيمونيم وجبل المعبد وغيرهم، ممن ينادون جهارا بتدمير المقدسات الإسلامية في القدس، وفى مقدمتها المسجد الأقصى.
ولقد صعدت إسرائيل خطتها لمحو عروبة القدس وإلغاء الدس العربية، بعد إعلان أوسلو. ومنذ سبتمبر حتى اليوم تمكنت الحكومات الإسرائيلية المتتابعة من إحداث تغيير جذري في طابع المدينة الجغرافي، وعمليات الأسرلة هذه غير مرتبطة بحزب معين في التركيبة السياسية الإسرائيلية. إذ يستوي في ذلك الليكود والعمل وأي طرف سياسي آخر.
ومن حق أي مواطن عربي أو مسلم أن يبدى تخوفا ملحوظا من أن عمليات الإهمال والتجاهل والتسويف المحيطة بمشكلة القدس ستؤدى إلى تحيق أمر واقع عملت سلطات الاحتلال الصهيونية على تكريسه طوال العقود الثلاثة الماضية. وبالرغم من أن القانون الدولي (وبالتالي قرارات الأمم المتحدة) شديدة الوضوح في هذه المسألة، فإن إرادة المجتمع العالمي يمكن أن تتراخى طالما أن إسرائيل مستمرة في استكمال إحكام قبضتها على القدس، وأن الطرف الفلسطيني (والعربي) لا يملك خطة واضحة إقليمية ودولية لمواجهة الابتلاع الصهيوني للمدينة المقدسة.
إن الهدف الصهيوني المتمثل في أن الصهيونيين يريدون فلسطين أرضا بلا سكان، هو في القدس أكثر تطبيقا من أي بقعة فلسطينية.وحينما أعلنت إسرائيل في العام 1980 أن القدس الموحدة هي العاصمة الأبدية لإسرائيل، لم تكن تطرح شعارا، وإنما رسمت خطة لعمل يومي سياسي وشعبي وعمراني متواصل.
وفى مقابل هذه الخطة، تمثلت مواقف العرب، مسلمين ومسيحيين، في شعارات أكدت دائما أن القدس هي عاصمة فلسطين، وأنها مدينة الأقصى المبارك ومسرى الرسول الأمين، وأنها مدينة قيامة السيد المسيح، وأن لها قدسيتها الدينية المتميزة، إسلاميا ومسيحيا، وأن لها مكانة خاصة في التاريخ العربي الإسلامي، لقد ظلت شعارات نرددها صباح مساء، ومازلنا نرددها صباح مساء، ومازلنا نرددها حتى اليوم، دون أن ندعمها بأي خطة.
وإذا ما أنزلنا قضية القدس منزلتها في سياق عملية السلام، فإن مرجعيتنا الأساسية في ذلك ستكون مؤتمر مدريد (30/10/1991). ويوم عقد هذا المؤتمر، دخلت الأطراف المشاركة فيه وقد غابت القدس عن الوثائق الداعية. ولم يرد لها ذكر في كلمات راعيى المؤتمر. ويعد هذا الأمر من أبرز التنازلات العربية في مستهل عملية التسوية في التسعينيات، وذلك بفعل الإصرار الإسرائيلي التقليدي بأن مستقبل المدينة ليس موضوعا للتفاوض، لكونها العاصمة الأبدية الموحدة تحت السيادة الإسرائيلية. أكثر من ذلك، أصرت إسرائيل على رفض مشاركة ممثلين عن القدس في إطار الوفد الأردني الفلسطيني وفى أي ترتيبات محتملة لتسوية القضية الفلسطينية وذلك بهدف نزع الصفة الفلسطينية وشرعية التمثيل الفلسطيني عن المدينة. أما بالنسبة إلى رسالة التطمينات الأمريكية إلى الفلسطينيين فقد  خلت من أي اشارة لموضوع القدس مدعية ان بحث قضية القدس يتم عند التفاوض في مرحلة الحل الدائم والنهائي. فقد تغاضت الولايات المتحدة عن ذكر أي مرجعية، وهى في الحد الأدنى قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة التي وافت عليها الولايات المتحدة ذاتها.
ومنذ أكثر من ثلاثين عاما، لا تزال الحكومات الإسرائيلية والقوى الصهيونية تغذ السير نحو أسرلة المدينة العربية، حتى جاء عهد الليكود الجديد، لينجز على الأرض وفى حيز الواقع المادي عملية الأسرلة، وليبدأ عملية جعل المدينة خالصة لليهودية وحدها، من خلال تدمير المقدسات الإسلامية والإبقاء المؤقت على بعض الشعائر التي يمكن أن تؤول إلى الزوال بفعل الضغط الصهيوني والصمت العالمي والهزال العربي والإسلامي.
وحتى توفر إسرائيل لخطتها ذات المراحل المتعددة الخاصة بالقدس عوامل التنفيذ، ربطتها بالقضية الفلسطينية ربطا محكما لا فكاك له، كما ربطتها بمصير الشعب الفلسطيني ووطنه ومستقبله. فما إن أشعلت إسرائيل فتيل تفجير قضية القدس من خلال النفق الذي أنشأته تحت المسجد الأقصى، وما إن وقعت انتفاضة البراق في أواخر شهر سبتمبر 1996 بين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي حيث استشهد أكثر من 80 فلسطينيا، وجرح أكثر من 1600، حتى بدأت إسرائيل عملية عسكرية كبيرة حملت اسم "حقل الشوك" . وهى تتضمن ثلاث مراحل، نفذت إسرائيل مرحلتين منها، هما نشر الدبابات والمصفحات والمدافع على طول الخط الأخضر بين فلسطين 1948 والأراضي المحتلة، وعلى مداخل المدن الكبيرة مثل نابلس ورام الله والخليل. أما المرحلة الثالثة من عملية " حقل الشوك " التي لم يحن أوانها بعد، فهي احتلال مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني من جديد، والعودة إلى وضع الاحتلال الشامل لكامل الضفة والقطاع. وهكذا دمجت قضية القدس دمجا عضويا في قضية فلسطين وفى حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ودولته المستقلة.
أكثر من ذلك، وأبعد عمقا وأشد اتساعا، أصبحت قضية القدس مرتبطة بهوية القيادة الموجودة حاليا على رأس الدولة الإسرائيلية. فعلى الرغم من التأكيد الشفوي اليومي الذي يصدر عن رئيس وزراء إسرائيل بالتزامه السلام، ووفائه بمتطلباته، إلا أن أفكاره الأصلية، وخطابه السياسي في أثناء الحملة الانتخابية وما بعدها، وممارساته الفعلية طوال المدة الماضية منذ توليه السلطة، تقطع بأن المشكلة أعمق بكثير من أن تكون خلافات حول تفاصيل تحقيق السلام. إنها في الحقيقة خلافات حول مبدأ السلام. وحتى إذا حاول رئيس وزراء إسرائيل أن يتجاوز بعض أفكاره، أو أن يدور حول بعض شعاراته، فإن القوى التي أوصلته للسلطة، وتشكل سنده الأساسي، تضع حدودا صارمة على قدرته على الخروج عن الخط الذي ينتهجه، والذي رسمته له تلك القوى.
ومن حسن الحظ أن أفكار رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو السياسية واضحة ومحددة بلا أى لبس خاصة في كتابه "مكان بين الأمم: إسرائيل والعالم"، المنشور عام 1993، والذي ينطوي على معتقدات وتوجهات تهدم عملية السلام العربي الإسرائيلي الراهنة من أساسها. وأبرز ما تتصف به السياسة الإسرائيلية الراهنة، كونها تحيى مبادئ الصهيونية الاستعمارية الاستيطانية الإحلالية التوسيعة، وتطوى، عمليا خيارات السلم والتسوية، وتبقى على خيار هو خيار العنف المسلح، وتركم العوامل، الواحد بعد الآخر، من أجل دفع المنطقة إلى حافة الحرب، بحيث لا يبقى أما العرب سوى خيارين لا ثالث لهما: الاستسلام بلا حرب أو الاستسلام بحرب.
إن ما يقتضى التنبه إليه، هو أن العامل الحاسم الذي سيحكم مفاوضات الوضع النهائي بشأن القدس سيكون ميزان القوى الراهن، وهو ميزان معروفة كل المعرفة مكوناته وعناصره والغالب والمغلوب فيه، إلا إذا استطاع العرب إضافة مكونات وعناصر جديدة إلى الكفة العربية، جوهرها العامل الشعبي، العربي بعامة، والفلسطيني بخاصة. وحينذاك يمكن القول بأن ميزان القوى لن يكون، بالضرورة والحتم، راجحا لمصلحة إسرائيل.
لقد مرت عملية السلام منذ مؤتمر مدريد في خريف 1991 حتى الوقت الراهن، وبلغت ما بلغته من نتائج بسبب أنها، أي العملية، عاشت وتحركت في بيئة تسيطر عليها الحكومات والقوى العالمية الكبرى وطوال سبع سنوات طوى العنصر الشعبي العربي عند رسم خرائط المنطقة. ولكن هذا العنصر عاود تحركه في الأرض الفلسطينية دون غيرها من الأرض العربية. ولا يعنى هذا موات هذا العنصر، وإنما قد يعنى أن تحركه، بشكل ما من الأشكال، ولأغراض استعادة الحقوق العربية، أمر وارد في الحسبان مستقبلا.
إضافة إلى ذلك، أوضحت الهزة التي أصابت عملية السلام في الشرق الأوسط، منذ أن تولى ليكود الحكم في إسرائيل في يونيو 1996، وسعيه إلى تدمير عملية السلام في مختلف مساراتها (الفلسطينية والسورية واللبنانية)، أن عملية السلام قابلة للارتداد والرجوع عنها، وتنويع الخيارات في الجانب الإسرائيلي، وفى ذلك نقض واضح من قبل إسرائيل للمقولة التي ترى أن عملية السلام قد رسمت مستقبل المنطقة وخرائطها، ولا رجعة عنها ولا نكوص فيها.
صحيح أن فكرة الصراع المسلح قد طويت نهائيا من الفكر السياسي العربي، لكنها ورادة في فكر الحكم الليكودى الإسرائيلي، بل إنه يخلق البيئة المناسبة لها، ويركم العوامل اللازمة لها، ذلك أن استراتيجيته السلمية مختلفة كل الاختلاف عن الاستراتيجية العربية والسلمية. فالجولان في نظره أرض أمن لإسرائيل، فلا انسحاب منه، ولا دولة فلسطينية. ويرى الحكم الليكودى إن الفلسطينيين أخذوا حتى الآن ما يكفيهم للحكم الذاتي الذي هو أقصى الأمل، وإن أي تنازل إسرائيلي يعنى تهديدا لأمن إسرائيل ومواطنيها. ولهذا الحكم مفهومه الخاص عن الأمن والسلام.
لقد أسرع حكم ليكود السير في تنفيذ برنامجه الخاص بأسرلة القدس، تاريخا ومعالم وسكانا ومؤسسات وعاصمة أبدية لإسرائيل، قبل أن تبدأ مرحلة التفاوض النهائي بشأن مستقبل القدس، حتى إذا جاء المفاوض العربي ليبحث في مستقبل المدينة، كما نصت عليه اتفاقية أوسلو، لم يجد ما يتحدث عنه، لأن الصهيونية العالمية تعمل لطي المدينة كلها، بتاريخها العربي والإسلامي، وبمعالمها العربية والإسلامية، وبمقدساتها الإسلامية والمسيحية، طيا كاملا بماضيها وحاضرها ومستقبلها.
يمكن القول: إن مستقبل القدس هو الذي سيحدد مدى نجاح الاتفاقات المعقودة، أو التي قد يتم التوصل إليها، بين بعض الدول العربية والدولة العبرية. فإذا كان باستطاعة أي طرف من أطراف النزاع أن يناور ويقدم التنازلات في نقاط التماس الأخرى، فإن مثل هذه الوسيطية صعبة للغاية في ما يتعلق بالقدس، وبخاصة أن الطرف العربي والإسلامي محكوم باعتبارات وحقائق وحقوق تاريخية ودينية وقانونية مرتبطة بالمدينة المقدسة ما يجعل التنازل أو التراجع أمرا مستحيلا، في حين يرتبط الطرف الإسرائيلي بأوهام وأساطير تفرضها كفة ثقيلة في ميزان القوى.
نحن إذن أمام دعوة ملحة وعاجلة للتفكير والتدبير. فالقدس على حافة الضياع. وليس هناك ما يمنع العرب والمسلمين من العمل، إن هم أرادوا ذلك. وفى تصورنا أن وسائل العمل لإنقاذ القدس، متعددة ومتوافرة. وحينما نشير إلى بعض الأفكار في هذا المجال، فلا نقصد إلى الحصر والتعداد، وبخاصة إنها أفكار معروفة ومطروقة، ولكنها تذكر في مكانها وزمانها:
  1-     إن أول خاطرة هي ضرورة ابتداع أساليب جديدة لإنقاذ القدس، تنبثق من مقتضيات عملية الإنقاذ، وتستند إلى قدراتنا، وتتلاءم مع المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية. وإذا كان مطلوبا تجنب الشعارات البراقة التي تلهب المشاعر، فإن القصد هو صياغة اقتراحات عقلانية عملية وممكنة ومؤثرة.
  2-     العمل من أجل القدس واجب، لكل مواطن فيه نصيب، ويشمل هذا القول القيادات السياسية والدينية والشعبية، حكومية وغير حكومية، مؤيدة ومعارضة، طالما أن هناك اتفاقا جماعيا على قضية القدس في حدها الأدنى، وهو تحرير ما احتلته إسرائيل من القدس في حرب 1967، والحفاظ على القدس المحررة بهويتها العربية الإسلامية.
  3-     تشكيل لجان شعبية لإنقاذ القدس في كل مدينة عربية وإسلامية، وفى كل تجمع عربي وإسلامي في كل مكان من العالم. والقصد من هذه اللجان هو إبراز العنصر الشعبي وتأثيره في مسيرة قضية القدس، لأن الرهان على العنصر الشعبي هو الأكثر أصالة والأقدر على الفعل والتأثير.
  4-     إن تأكيدنا أن السلام خيارنا الاستراتيجي يجب أن يعنى أيضا، استعدادنا وتوفيرنا القدرة للدفاع عن هذا الخيار، وبخاصة حينما يكون الطرف الآخر قاصدا تدمير السلام، ومسلحا بترسانة نووية وبجيش قوى، ويتحدى عملية السلام بخلق الحقائق على أرض الواقع.
  5-     تنويع وسائل المقاومة العربية، فلسطينيا وعربيا وإسلاميا، مع تأكيد أن هذه المقاومة ليست نضالا عارضا أو مؤقتا، وإنما هي متواصلة بمختلف الوسائل والأساليب المتاحة وعلى مختلف المستويات وفى جميع الساحات، حتى يتحقق هدف تحرير الأرض العربية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
      
إن إنقاذ القدس من أن يبتلعها المشروع الصهيوني لم يعد ممكنا أبدا بالأساليب التي اتبعها العرب والمسلمون منذ ثورة 1929 حتى انتفاضة التسعينيات وانتفاضة البراق في أواخر سبتمبر 1996. ثمة خطط صهيونية جديدة بقوى إسرائيلية وصهيونية علمية تعمل لتنفيذ تلك الخطط. وهو ما يتطلب عقلية عربية وإسلامية جديدة ترقى إلى مستوى المشروع المعادى بمشروع مساو له بالقوة والفاعلية والتأثير. 

النص الكامل : حمله من هنا أو من هنا



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا