التسميات

الأربعاء، 16 أغسطس 2017

محاضرة 2: مفهوم المدينة والتحضر ...

محاضرة 2: مفهوم المدينة والتحضر
يُرجح أن كلمة المدينة   City   كانت تطلق خاصة على المكان الذي يكون فيه القضاء وهي كلمة آدمية الأصل ،إذ إن المقطع "دين"في الكلمة يدل على معنى العدالة Justice ،وهذا يعني أن المدينة هو المكان الذي يتوفر فيه العدل والأمن أكثر من أي مكان آخر ،لكونها مقرا للسلطة الحاكمة .

  فالمدينة أذن لا تسمى بالمدينة إلا إذا كانت مقرا لصاحب السلطان أو من يمثله ، فإذا كان صاحب السلطان هو الخليفة نفسه كانت المدينة عاصمته أو إحدى عواصمه ،وان كان والي إقليم فالمدينة عاصمة هذا الإقليم وان كان قائدا على الثغور فالمدينة قاعدة لهذا الثغر أو حصن استراتيجي فيه .
  وكانت المدينة الكبيرة بالعربية تسمى مصرا وكان هذا اللفظ يطلق في عصر الفتوح الأولى على عواصم الأقاليم خاصة ،وعلى هذا الأساس كانت الكوفة والبصرة تعد أمصارا ،فيقال المصران .
  وجدير بالذكر أن المدن والأمصار تختص بمؤسسات دينية ودنيوية من مساجد وحمامات وأسواق وصنائع وحرف مختلفة تعد كلها من أهم معالم المدينة والعمران الحضري .
  وان اعتقاد البعض في إن المدينة بمعنى الحضارة نسبت إلى المدينة ذا أمر جدلي كبير ،فالحضارة العربية الإسلامية كانت باعتراف الباحثين قد انبعثت من المدن الإسلامية التي كانت بالفعل مراكز الإشعاع الحضاري ، كما اتسمت به المدن الإسلامية خاصة عبر التاريخ من أمن واستقرار وتسامح وعدالة كانت كلها بمثابة مقومات لأسلوب الحياة آنذاك .كما أضحت المدن القديمة عبر الحضارات غنية بمؤسسات اجتماعية استطاعت البقاء والاستمرار طويلا حتى بعد زوال مؤسسيها .
  أما كلمة ريف Rural ،فالريف في اللغة هو الأرض القريبة من الماء ، وتطلق كلمة ريف أما على الأراضي الخصبة الداخلية  على ضفاف الأنهار أو على المناطق التي تحف بالبحر أو المحيط ، كما هو الحال في مصر والعراق وسوريا من جهة ،والمغرب والأندلس من جهة أخرى .أما شمال المغرب الأقصى فكلمة ريف هناك تطلق على اسم علم للمنطقة الجبلية الممتدة في الشمال  أي جبال الريف.
أما القرية هي مكان يتجمع فيه مجموعة من الناس ويستقرون فيه، ويكوّنون فيه مجتمعا خاصا بهم، وعادة ما يكون عدد سكانه يتراوح ما بين المائة والعشرة آلافسكان القرى قد يكونون من قبيلة أوعشيرة أو عائلة واحدة، وقد يكونون من عدة عائلات مختلفة.
وعلى الرغم من أن القرية تقام في الغالب في مناطق ريفية زراعية، إلا أنها أحيانا تكون في مناطق حضرية ذات جوار ريفي، مثل قرية صايفي في بيروت بلبنان، وقرية هامبستيد Hampstead في منطقة لندنكثيرا ما تضم القرية الواحدة بضع عائلات فقط، كما تتميز بيوتها عادة بالبساطة واعتماد أهلها على المواد البسيطة في البناء، كالطين والخشب، ودائما ما يسكن البيت عائلة واحدة، أو تسكن العائلة الواحدة عدة بيوت متقاربة.
على الرغم من تنوع أشكال القرى، إلا أن معظمها يشترك في صفات محددة منهاصغر الحجم، وقلة عدد السكان، بالإضافة إلى الترابط الاجتماعي الكبير الذي يسود بين أفراد القرية الواحدة خصوصا إذا ما قورنت بالمدينة والمجتمع المدني، كما أن البيوت في القرى تشيد على مقربة من بعضها البعض، ولعل السبب في ذلك هو حب التقارب والمؤانسة بين أفراد القرية الواحدة، أما الأراضيالمحيطة بهذا التجمع من المنازل فإنها تستغل للزراعة

أسس التمييز بين المدينة والقرية
   الفرق بين المدينة والقرية في أصول التاريخ ليس مسالة مساحة أو عدد السكان بقدر ما هو مسالة وظائف وسلطة إدارية ومظاهر حضرية .ويرى ابن خلدون (4) أن الصناعة بمهنها المختلفة هي رمز للحضارة ،ولا توجد إلا في أهل الحضر ولا تكتمل إلا بكمال العمران الحضري وكثرته ،لأنها مركّبة وعلمية تصرف فيها الأفكار والأنظاربينما الفلاحة أو الزراعة في نظره من معاش المستضعفين وأهل العافية من البدو.
  ولاختلاف المعايير التي تتبعها الدول للتفريق بين المدينة والقرية ،سوف ندرج بعض الأسس المتبعة في كل منطقة من مناطق العالم للتفريق بينهما ،وهذه الأسس هي :
1-حجم السكان   Population size
تتفق آراء الباحثين على أن هناك حدا أدنى للحجم السكاني الذي تعرف المدينة على أساسه ،وان كانت الآراء قد اختلفت في ماهية هذا الحجم السكاني ،وعلى سبيل المثال يعد المركز العمراني في الولايات المتحدة مركزا حضريا (مدينة)أذا كان عدد سكانه 2500 نسمة فأكثر بينما يرتفع هذا الرقم إلى 30000 نسمة في اليابان مثلا (انظر جدول 2).
ولحجم المدينة (عدد سكانها ) علاقة بعدد سكان الدولة التي تقع فيها ومساحتها ، ويعبر عن ذلك حينئذ بالكثافة السكانية .ويعد ذلك أمرا طبيعيا طالما أن سكان الدولة ينتشرون على مساحتها التي تضم المدن والقرى ،ولهذا نجد مستوطنات تضم أعدادا كبيرة من السكان تصل إلى 10000 نسمة ومع ذلك تعد قرى كبيرة كما هو الحال في جنوب ايطاليا وجنوبي اسبانيا كمستوطنات للفلاحين ، أو قلة المساحة الصالحة للسكن في الدول كان يغلب على مساحتها المسطحات المائية أو الجبال كما هو الحال في اليابان .
2-الأساس الإداري    Administrative basis
  تتسم المدن بشكل عام بأنها ذا صبغة إدارية وهي احد الأسس التي رفعت مستوى المستوطنة إلى مقام المدينة، متمثلة بوجود مجلس إداري أو قضائي اللذين تعينّهما الحكومة المركزية كمدير الناحية كما هو الحال في العراق .والقرار الإداري هنا هو الذي يتحكم باستصدار أمر جعل هذه المستوطنة مدينة أم لا ،وبالتالي تهمل الاعتبارات الأخرى كعدد السكان مثلا حينما يراد لقرية حدودية مثلا أن تصبح مدينة كمأرب في اليمن 150نسمة (1977)لتكون مركزا لمحافظة مأرب ،رغم أن هذا البلد يضم بعض القرى التي يزيد عدد سكانها عن 5000 نسمة كحبابة مثلا (5).
3-المظهر الخارجي   Exterior
  يتمثل بمظهر المدينة الخارجي من بنيان ومنشات ومصانع ومحلات تجارية وبنوك وفنادق وشوارع معّبدة وعمارة متعددة الطوابق والأدوار ومستشفيات وجامعات ،أو من مادة البناء المستخدمة والتي غالبا ما لا توجد في القرية .ومما يعاب على هذا المعيار هو انه ليس كل المدن متميزة بنمط عمرانها أو أنها تحتوي على كل هذه الأنماط كما هو حال المدن الصغيرة في العراق ومصر مثلا ،وبالمقابل ،فان القرى لم تعد هي الأخرى محتفظة ببنيانها القديم بعد التطورات الكبيرة التي شهدها العالم .فالريف الأوروبي وبعض  الأرياف العربية كما في ليبيا(مع الفارق الحضاري بينها وبين الدول المتقدمة)أضحت تنافس المدينة بعمرانها بحيث لم يشعر المتنقل من المدينة إلى الريف بتغير ملموس وخاصة في دول العالم الصناعي .
4-الأساس الاجتماعي    Social basis
  بالرغم من أن النظم الاجتماعية الحضرية والريفية يجمعهما قاسم مشترك يتمثل بانتمائهما للنظام الإنساني (البشري ويربطهما رابطة المواطنة لانتمائهما لوطن واحد ،إلا إن آليات الضبط الاجتماعي للنظام الحضري ينبثق من الخصائص الفريدة للإنسان الحضري من حيث انه كائن اجتماعي ذو ثقافة مميزة أكثر من الإنسان الريفي ،فهو أكثر انفتاح للتعليم والتغيير وأكثر استجابة للمتغيرات الحضارية من الإنسان الريفي ،كما انه يميل إلى تحسين نوعية حياته ،مما يجعل إنتاجه المادي أيضا يزداد بمتوالية هندسية يعبر عنها بالنمو الاقتصادي المستمر .وهذه كلها إسقاطات لأفعال مرتدة ايجابية وهذا هو بيت القصيد-لان النظم الحضرية بما تتيحه من تجمعات بشرية تهيئ الفرصة لكي تعمل هذه الأفعال المرتدة الايجابية عملها في محيط اكبر .
ويسري الاختلاف بين النظم الحضرية والنظم الريفية ليشمل تنظيم الأسرة والزيادة الطبيعية والمستوى الصحي والمستوى ألمعاشي وعلاقات الجوار وبقية العادات والتقاليد والقيم من حيث شدة ترابطها أو ضعفها .



جدول 2: حدود الحجم السكاني للمراكز الحضرية المتخذ أساسا لتعريف الحضر (بلاد مختارة ).
           القطر
                الحد الأدنى للسكان 
السويد+الدنمرك
أيسلندا
جنوب إفريقيا
استراليا +كندا
تشيكو سلوفاكيا+فرنسا+الولايات المتحدة+كوبا+المكسيك
بلجيكا+إيران+نيجيريا
اسبانيا+تركيا
اليابان
                  200    
                  300                   
                  500
                1000            
                2000

                5000
              10000
              30000          
المصدر :- U.N.,Department of Economic and social Affairs"Geowth of the world urban and Rural population,1920-2000,"population studies,44,1969,p48-81.
-Hartshon,T.A.&Dent,B.D.,Interpreting the city ,An urban Geography, Jogn wiley &sons,Newyork,1980,p2.



5-الأساس التاريخي   Historical basis
   يرتبط هذا الأساس بتاريخ المدينة ،إذ كلما كان للمدينة تاريخ طويل دفع باتجاه ترسيخ حضريتها ،لكن هذا الأساس يضعف كلما تصفحنا تاريخ مدن العالم والذي نجد فيه أن اغلبها يميل إلى الحداثة،وبالتالي ليس بالضرورة أن يكون هذا المعيار من أهمية ,خاصة وان كثيرا من المدن التاريخية اضمحلت وزالت لتقوم على إطلالها مدن أخرى حديثة .

6-الأساس الوظيفي     basis Function
   يكاد يتفق الجغرافيون على أن الأنشطة الاقتصادية Economic activities قد تكون فيصلا بين المدينة والقرينة ،فالحرف المتعددة غير الزراعية هي السائدة في المدينة ،في ما لا توجد ما يماثلها في القرية كالصناعة والتجارة والخدمات .كما يندر أن تمارس الزراعة في المد .ولكن إذا كان ذلك يصدق في الدول النامية والمتخلفة لتخلف مقومات الحياة وسبلها فيها ،فانه في الدول المتقدمة عكست هذا الأساس بعد أن قرّبت المسافات بين مدنها وريفها ، فانشات المصانع في الريف ومدت إليه مختلف الخدمات وفتحت فيه الأسواق التجارية ،الأمر الذي أدى إلى ضمور أساس التفريق بين مدنها وريفها .
  نستنتج مما سبق ،انه لا يوجد لحد الآن تعريف متفق عليه فيما يتعلق بالمدينة كما لا توجد أسس عامة مقبولة بين جميع الأقطار للتفريق بين المدينة والقرية .إن عدم الاتفاق هذا يجعل من الصعب المقارنة بين الأقطار من حيث درجة تحضرها ،وفي الوقت الحاضر أصبح التفريق بين المدينة والقرية أصعب من السابق وخاصة في المجتمعات الصناعية المتقدمة ،وذلك لوجود درجات متنوعة من الحياة الحضرية التي تربط المدينة والقرية وتدعى هذه الظاهرة بالاتصال الحضري الريفي .



الجامعة المستنصرية



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا