التسميات

الأربعاء، 16 أغسطس 2017

محاضرة 26: مورفولوجية المدينة ...

محاضرة 26: مورفولوجية المدينة
   مورفولوجية المدينة morphology of the city هي تعبير عن تفاعل الوظيفة مع الشكل ينتج عنهما ما يسمى بالجزء المرئي منها (Town scape) .ويشمل استعمالات الأرض الحضرية وأنظمة الشوارع وشكل الأبنية .وان العلاقة بين الوظيفة والشكل غاية في التعقيد خاصة خلال المراحل التاريخية التي تمر بها المدن نتيجة للتغيرات المصاحبة لكل واحد منهما ،وبالتالي فانه من النادر أن يحصل التوافق بينهما ليعبرا بصدق عن مورفولوجية المدينة .والمراحل التطورية التي تمر بها المدينة تستدعي بالضرورة دراسة نشأة المدينة ونموها وتطورها وتسمى هذه بالمراحل المورفولوجية للمدينة .
ومن استيعاب مورفولوجية المدينة يمكن فهم طبيعة التغير الحاصل على المدينة وظيفيا ومعماريا ،ويأتي ذلك من دراسة عناصر مورفولوجية المدينة والتي تشمل على :
1خطة المدينة  . 2- النسيج العمراني   .3المراحل المورفولوجية التي تمر بها المدينة.   

1- خطة المدينة   City Plan
  تمارس المدينة نشاطها في إطار خطتها التي نمت مع الزمن ولدراسة الخطة ينبغي التفريق بين المدن التي نمت نموا طبيعيا بغير نظام وتلك التي انشات وفق خطة موضوعة .وفي مدن العالم اليوم أمثلة من كلا النوعين .وعرف العالم القديم كلا النمطين أيضا وتتميز مورفولوجية المدن التي نشأت نشأة طبيعية بكثرة طرقاتها وأزقتها وصعوبة تفسير اتجاهاتها ومواقع المباني فيها .
ويبدو أن شكل الملكية الزراعيةالتي تتأثر بدورها بظروف المكان-هو الذي اثر في تخطيط بعض هذه المدن ، فمن دراسة تخطيط مدينة (George Town ) عاصمة غيانا يظهر تأثرها بالشكل الهندسي لمزارع القصب التي كانت تحيط بالمدينة عند نشأتها في أواخر القرن الثامن عشر ،وكما تأثرت الخطة بالملكية الزراعية فقد تأثر توزيع المباني وترتيبها بالدرجة نفسها .
من ذلك يظهر إن التفكير في بناء مدينة مخططة راود كثيرا من بناة المدن في العصور الماضية ، فقد تصوروها تارة مستديرة وتارة مربعة أو مستطيلة .فالسلاف مثلا بنّوا مدنا مستديرة ،أما المصريون فقد فضلوا الشكل المربع لإغراض دينية ،واليوم يميز مخططو المدن المحدّثون بين ثلاثة أنماط رئيسة وهي خطة الزوايا القائمة gridiron plan   تليها الخطة الشعاعية ذات الحلقات الدائريةRadioconcentric plan  ثم الخطة الشريطية (الخطيةLinear plan.
وفيما يأتي الكشف على هذه الأنماط من الخطط:
أ الخطة الشبكية أو خطة الزوايا القائمة
استخدم هذا النوع من التخطيط منذ زمن الإغريق والرومان وحتى في أيام حضارات وادي الرافدين ووادي النيل .وتقوم فكرة هذه الخطط على مد شوارع طولية وعرضية تتعامد مع بعضها البعض ،وهي لهذا تشبه في تقسيماتها لوح الشطرنج لاحظ الشكل (50) .ومن الخصائص المميزة لهذا النوع من التخطيط ما يأتي (72):
1- سهولة وضع الخطة للمدينة إذ أنها تقوم على مد شارعين رئيسيين  احدهما طوليا والآخر عرضيا بحيث يكونان متعامدين مع بعضهما ثم تقسم المربعات الأربعة الناجمة عنهما إلى شوارع صغيرة متعامدة مع بعضها بعضا تاركة بينها قسائم مربعة الشكل .
2- سهولة تقسيم الأرض للاستعمالات المختلفة بحيث يمكن تقسيم الأراضي بسرعة وبدقة وتكون الإشكال الهندسية الناتجة عن ذلك منظمة ومتقنة .
3- تعتبر قطع الأرض والقسائم المخططة بهذه الطريقة سهلة الاستخدام لإغراض الإنشاءات والبناء.
4- يمكن توسيع الخطة  بسهولة عندما تمتد المدينة إلى مناطق جديدة .
ويؤخذ على هذا النوع من الخطط إن جغرافية الأرض قد لا تساعد دائما على أتباع مثل هذا النوع من التخطيط .فهي لا تصلح لمدينة عمان ولا لبيروت ولا أثينا لكنها تكون ملائمة للمدن المنبسطة والسهلية كمدينة طرابلس الليبية أو مدينة بغداد .
ب-  الخطة الشعاعية الدائرية
تقوم الفكرة الأساسية لهذه الخطة على إنشاء مركز للمدينة يتبلور حول قصر أو مقر إدارة الدولة،وتخرج من هذا المركز شوارع طولية تمتد على هيئة أشعة في كل الاتجاهات ،ولقد سميت المدن التي كانت تبنى على أساس هذه الخطة بمدن العظمة وذلك لأنها كانت تقام وتنشا لتعكس عظمة الحاكم وقوة الدولة .إلا أن هذه الخطط تعاني من بعض الصعوبات منها :
-  صعوبة وضع الخطة بسبب تشابك الخطوط .
صعوبة تقسيم الأرض حيث تبرز الكثير من القطع غير المتناسقة .
-  صعوبة تطبيق الخطة على المدن الشديدة التضرس .
وفي الجانب الآخر فان هذه الخطة تمتاز بسهولة اتصال الضواحي بالمركز حيث أن الشوارع تمتد مباشرة من المركز حتى الأطراف دون توقف أو انقطاع لاحظ الشكل (51).
ت-  الخطة الشريطية
تنشا المدن التي تبنى وفق هذا النوع من الخطط على شارع رئيسي سرعان ما تنمو حوله وتكبر أجزاءها ،واتبعت هذه الخطة في مدن الولايات المتحد الأمريكية في مدة الاستيطان المبكر عندما كانت تنشا نويات المدن على طول الشوارع الرئيسة ويسمى هذا النوع من المدن  بمدن الشارع الرئيسي .وعلى الرغم من بساطة هذا النوع من التخطيط إلا انه يؤدي إلى نمو عشوائي وفوضى  التوسع العمراني إذا لم يتم ضبط الخطة لاحظ الشكل (52).






أن الأنظمة الثلاث لأنماط خطط المدن لا تنهي الإمكانات لتطور المدن بأشكال أخرى ،فمن الممكن أيضا أن تتطور المدن على نمط يجمع بين هذه الأنظمة الثلاث أو ربما بأشكال مختلفة تماما.
أن كل مدينة تشكل عند نموها واتساعها مجموعة من المتطلبات والمشاكل الخاصة بها ، مما يستدعي أيجاد الحلول المناسبة لكل منها ، وان وضع حلول تخطيطية تنطبق على جميع المدن دون الالتفات إلى خصوصية كل مدينة هي ممارسة خاطئة ، وان الأنماط التي أوردناها لتخطيط المدن لم يكن لتفضيل نمط على أخر ، فكل منها نقاط ايجابية وأخرى سلبية ، وان على المخطط أن يختار لكل حالة النمط الذي يلائمها .
فمدينة كوبنهاكن Copenhagen احتفظت في تخطيطها بالنمط ألشعاعي ، حيث جرى تحاشي مساوئ هذا النمط وذلك بإنشاء مراكز متطورة للخدمات في ضواحي المجتمع الحضري كما في الشكل(53) .
أما مخطط إقليم باريس فقد حافظ على النمط ألشعاعي الذي اكتسب شكله خلال الأعوام الكثيرة ، ولكنه وجه التنمية والتوسعات الجديدة نحو محورين من المناطق الحضرية التي تمتد بموازات نهر السين كما في الشكل (54) .

2- النسيج العمراني للمدينة   Urban fabric of the city
يتكون نسيج المدينة العمراني من الأبنية والعمارات التي تمثل الفضاءات المشغولة فيها وبما أن المدينة تحتوي على مزيج غير متجانس من استعمالات الأرض ، وان لكل استعمال بناء خاصا يتماشى مع الوظيفة التي يؤديها ، فان شكل البنايات ومساحتها وارتفاعها يتعدد تبعا لذلك .
وعند تناول تصاميم المدن الحديثة يجدر الرجوع إلى المدن التاريخية ومعرفة عناصر السحر والجمال التي نعجب بها ونستحسنها ، مع شعور يراودنا لمعرفة حكم الأجيال القادمة على مدننا الحالية والمباني والمشيدات التي تقام فيها وانه لمن الصعوبة بمكان وضع خطوط فاصلة بين ماضي المدينة ومستقبلها ،



فالمباني التي نسميها اليوم مبان تاريخية ، كانت قد شيدت في ظروف تختلف عما هي الآن وكانت تعبر عن حقبة زمنية مختلفة .
وبصدد المدن التاريخية ، فقد اختار (كوربوزيه Corpuzahعبارة عن المعمار الفرنسي لاكوايرLaugier   الذي عاش في القرن الثامن عشر حيث قال واصفا مجموعة من المباني الكاتدرائية في بيزا     pisa بان فيها (تناسق في التفاصيل وصخب في المظهرأما الفيلسوف الألماني غوتة الذي أعجب بشوارع مدينة بيرن Berne  قال (وجد المساواة بين سكان المدينة Found the equality ofthe city's populationوالحقيقة أن البيوت في مدينة بيرن أنشئت بنظام شديد ،طبقا للتعليمات البلدية الصارمة التي كانت تفرض هذا النمط من النظام في البناء .
ولنا شواهد من العراق ، فمدينة البصرة التقليدية (الجزء القديم من المدينة الحاليةالتي ترتخي على نهر البصرة الذي يتفرع من شط العرب ، وفيها الدور ذات الشناشيل الخشبية التي تعطي الظلال وتسمح بمرور الهواء من خلالها فتضفي جمالا وملائمة للبيئة .
ولغرض التوصل إلى حقيقة الخط الأفقي لسماء المدينة The horizontal line of the city's skyline لا بد من تفحص عناصر الوحدات المعمارية في المدينة والتي تشمل على  عدد الطوابقNumber of floors ، مواد البناء Building materials ، طراز البناء Building model ، وظيفة البناء Building Function  ويتم الفحص على أساس مدى الانطباق مع الأبنية الأصيلة أو الابتعاد عنها في النواحي السابقة وتوضح النتائج على خرائط وتوصل ديفس Davis تبعا لذلك إلى أن هناك علاقة عضوية بين الوظيفة والشكل ، وتقاس شدة العلاقة بدرجة التحوير التي أصابت الشكل ، وتوضح له أن أعلى درجات التعقيد المورفولوجية تظهر في قلب المدينة (Core ) حيث تباع أرقى أنواع البضائع التي تقل جودة نوعيتها بالابتعاد عنه .أي انه لا يمكن أن نجد بضاعة راقية في مكان قديم أو تشغل بناية متهرئة .وبالتالي رقي البضاعة يدفع نحو البناء الحديث لكي تنطبق الوظيفة مع الشكل وهذا يتوافر غالبا في مركز المدينة ذات البنايات الشاهقة.
أما عن عدد الطوابق Number of floors ، فان المباني المرتفعة ذات الطوابق المتعددة تتجمع في المركز ، ألا أن الارتفاع يبدأ بالتناقص كلما اتجهنا نحو الإطراف كذلك يزداد الارتفاع عند واجهات الشوارع الرئيسة وعند الأركان ومقترباتها وملتقياتها وقد نلاحظ أن المباني الدينية والإدارية العامة التي تتميز بالفخامة والاتساع تستقر في المركز القديم ، ألا أن بناء ناطحات السحاب منذ القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين قد ضّيع كثيرا من معالم  الأبنية التراثية فبدأت تختنق وسط المباني الكونكريتية الصماء ذات العيون الزجاجية المتحجرة .
وغزت المدن الحديثة الطرز المعمارية الغربية بشكل ملفت سواء على مستوى العمارات التجارية والعامة أو البيوت السكنية لتحول المدن إلى ما يشبه الفوضى المعمارية ، للتصادم الشديد بين الطراز التقليدي والحديث في الشكل والمضمون والوظيفة .ويمثل هذا الغزو نهاية مرحلة معمارية وبداية أخرى جديدة لتكون في نهاية المطاف على حساب العمران التاريخي والتراثي ،وهذا ما نشاهده في جّل المدن العربية في الوقت الحاضر .
وعند اعتماد الناحية المعمارية المتميزة فينبغي أن يؤخذ بنظر الاعتبار مواد البناء ومستوى تكنولوجية البناء لما لذلك من بصمات مميزة لكل مرحلة من المراحل المورفولوجية للمدينة ،إذ أن لكل مرحلة نماذج عمارتها التي تكاد تكون واحدة رغم التباين في التفاصيل .




الجامعة المستنصرية



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا