ليبيا 2025 رؤية استشرافية: ثقافة نهوض وتنمية مستدامة
(مسودة التقرير النهائي): الجزء الثامن والأخير
ليبيا اليوم - ليبيا 2025 رؤية استشرافية - 15/12/2008
6 سيناريوهات
نعرض فيما يلي إلى مسارين ممكنين لمستقبل ليبيا، يرصد الأول ديناميات وتداعيات محتملة لاستمرار الأوضاع الراهنة، فيما يرصد الثاني ديناميات ثقافة النهوض والتنمية المستدامة ويبين التداعيات التي قد يفضي إليها تبني هذا المسار. ثم نختتم بمسار ثالث يبدو أن فرصه في الحدوث غامرة، ربما لأنه يتأسس على ديناميات توازن بين الخيارات التي يطرحها ذانك البديلان.
6.1 سيناريو استمرار الأوضاع الراهنة
يفترض هذا السيناريو تضافر مجموعة من الديناميات تعمل على استمرار الأوضاع الراهنة، مع إدخال بعض التعديلات غير الجوهرية على النظام الاقتصادي تحديدا. وتشمل ديناميات هذا السيناريو التالي:
• هيمنة الأيديولوجيا وعدم وضوح إرادة التغيير.
• سيطرة الدولة على مؤسسات المجتمع المدني.
• هيمنة القطاع النفطي.
• الوفرة المالية.
• سطوة مفهوم ضيق للأمن.
• تدني المعدلات الكيفية في التنمية البشرية.
• تذبذب الرؤى إزاء دور الدولة والقطاع الخاص.
• العلاقة المحدودة مع التقنية.
• سوء تقدير الأوزان النسبية للتوجهات الخارجية.
• التوجس من الاندماج في البيئة المعولمة.
أما تداعياته فتشمل:
• استمرار ثقافة الاستهلاك والتلقي، وغياب المشاركة المجتمعية الفاعلة.
• احتقان داخلي بسبب سوء الأحوال المعيشية، قد يؤدي إلى اضطراب أمن المجتمع، واعتماد الأسلوب الأمني بمفهومه التقليدي في التعامل مع هذا الاحتقان.
• تفشي الظواهر الهروبية، المتجلية في التطرف الديني والسياسي، وانتشار المخدرات، والنزوح إلى الخارج.
• انسحاب الشرائح ذات التوجهات الإصلاحية التي بدأت تتشكل في العقد الأخير، وشعورها بالإحباط بسبب اكتشافها أن إرادة التغيير تواجه صعوبات تحول دون تحقيقها.
• غياب الدستور وضعف سيادة القانون وعدم الالتزام بالضوابط التشريعية وهشاشة المؤسسات واستمرار الفساد المالي والإداري وعدم الاستقرار الهيكلي والوظيفي.
• استمرار الاقتصاد الريعي والتشريعات المتعارضة التي تؤثر بشكل مباشر في فعالية القطاع الخاص، وفقدان الثقة في إمكانية استثمار العنصر البشري وطاقاته الخلاقة.
• عدم استثمار الموارد النفطية في تنفيذ برامج ومشاريع التنمية المستدامة وتنويع مصادر الدخل.
• غياب الشفافية والمحاسبية وتفاقم اهتراء البنية التحتية وتدني مستويات الصحة والتعليم وارتفاع معدلات الجريمة.
• عدم فعالية المؤسسات السياسية القائمة، بسبب عدم استقرارها، وعدم وضوح اختصاصاتها والعلاقات بينها.
• الزيادة في معدلات البطالة بحيث تصل إلى مستويات قياسية.
• انخفاض مستويات الإنتاجية في معظم المؤسسات الاقتصادية وتدني مستويات الكفاءة لمعظم عناصر الإنتاج وخاصة العنصر البشري.
• عدم توفر المناخ المواتي لجذب الاستثمارات الأجنبية.
• قد يسهم ارتفاع أسعار النفط والطلب المتزايد على الطاقة والاستثمار في طرح نوع من المعالجات الآنية، أو التحمس إلى مشاريع كبرى غير مجدية. غير أن من شأن هذا أن يخلق شرائح جديدة مستفيدة تعيد إنتاج الفساد، ويسهم في تأجيل تلك التداعيات، لكنه لا يتعامل مع أسبابها الحقيقية.
• ولأن النظام الاقتصادي العالمي الجديد يحتاج إلى المزيد من الأسواق، ولأن لهذا النظام استحقاقاته الاقتصادية والسياسية، قد يقوم بالضغط لإدخال إصلاحات اقتصادية (نفطية تحديدا) تخدم مصالحه، وقد تتولى ليبيا مركزاً قيادياً للتأثير في القارة الإفريقية وتقوم بدور أكثر فعالية بتقدير من قوى عولمية.
• وسوف يؤدي هذا إلى: استقرار نسبى للأوضاع الداخلية بسبب الوفرة المالية والرضا الخارجي؛ تحديث اقتصادي نسبى في بعض المجالات، لاسيما النفط؛ القيام بدور إقليمي تحدده مصالح أجنبية؛ استثمار المساهمة في الحد من الإرهاب في تجنب التدخلات الأجنبية السافرة؛ تواصل وجود خطر الانفجار الاجتماعي؛ استمرار العزوف عن المشاركة السياسية؛ واستمرار الاتهامات بانتهاك حقوق الإنسان.
• وفق هذا قد يتم استغلال أزمات الوضع الراهن في جعل الأجندة الليبية جزءا من سيناريوهات تفرضها قوى خارجية وتحقيق مصالح الخارج على حساب احتياجات الداخل.
• وفي النهاية، فإن المجتمع الذي تحركه هذه الديناميات، بما تقضي إليه من تداعيات، مجتمع محبط، يائس، مفكك، مغترب، مضطرب، تحكمه دولة ضعيفة، تابعة، ومخترقة، ومهددة.
6.2 سيناريو ثقافة النهوض والتنمية المستدامة
ينهض هذا السيناريو على افتراض مجموعة من الديناميات الإيجابية التي تسهم في تحقيق مجتمع الأمن الإنساني الذي نطمح إليه. وتشمل ديناميات هذا السيناريو التالي:
• إرادة سياسية داعمة للتغيير.
• تبني مفهوم الأمن الإنساني بمعناه الشامل.
• مجتمع مدني مستقل ومتنوع.
• مأسسة العمليات الديمقراطية.
• توظيف الموارد النفطية في تنويع مصادر الدخل والتنمية المستدامة.
• تذبذب أسعار النفط.
• دور جديد للدولة، وقطاع خاص حيوي وفاعل.
• تيسر الوصول إلى التقنية.
• التقدير الموضوعي للأوزان النسبية للتوجهات الخارجية.
• التفاعل الإيجابي مع البيئة المعولمة.
أما تداعياته فتشمل:
• صدور دستور يحدد اختصاصات مؤسسات الدولة بما يحقق مصلحة الوطن ويكفل التوازن بين حقوق المواطن وحرياته وتحقيق الأمن والسلامة والاستقرار الوطني والمجتمعي.
• وجود قضاء مستقل ونزيه.
• تنامي مشاركة مؤسسات المجتمع المدني في الحياة السياسية والاجتماعية.
• حقوق ملكية مؤمنة دستوريا.
• سيادة القانون، واعتبار الكفاءة معيارا للأداء.
• ليبيا دولة فاعلة في محيطها الإقليمي والعالمي.
• تشكل خطاب سياسي وثقافي منفتح.
• اتساع مساحة التعبير وحرية الصحافة والشفافية والمحاسبة.
• مناخ سياسي واقتصادي واجتماعي قادر على جذب الليبيين المقيمين في الخارج.
• اقتصاد معرفي تنافسي تتنوع فيه مصادر الدخل والطاقة ويقوم فيه القطاع الخاص بدور أساسي ويضمن عدالة التوزيع ويرتقي بمستوى معيشة أفراد المجتمع وتتدنى فيه معدلات البطالة ومستويات الفقر.
• بيئة اقتصادية وسياسية وتشريعية جاذبة للاستثمار الخارجي.
• تنامي دور المشروعات الصغرى والمتوسطة في الاقتصاد الوطني.
• ظهور قطاعات اقتصادية قابلة للتطوير ذات ميزة تنافسية محلية ودولية.
• خروج الدولة من دائرة توفير السلع والخدمات إلى إدارة الاقتصاد على المستوى الكلي وتوفير الخدمات ذات الجدارة الاجتماعية.
• بنية تحتية متكاملة في مجالات النقل والمواصلات والاتصالات.
• مجتمع مستقر ومتماسك وآمن تتاح لأفراده فرص متكافئة في التعلم والعمل والاستثمار.
• شراكة مجتمعية تحافظ على البيئة واستدامتها وتضمن حقوق الأجيال القادمة في ثروات المجتمع.
• سياسة بيئية تركز على الاستثمار في الطاقات المتجددة النظيفة.
• ارتفاع مؤشرات التنمية البشرية الفعلية كما ونوعا.
• ارتفاع معدلات الأداء في المؤسسات التعليمية وتوافق مخرجاتها مع متطلبات بيئة سوق العمل التنافسية.
• نظام تعليمي ينمي القدرة على الإبداع والتأمل والتفكير الناقد ويعزز الحوار والانفتاح واحترام الآخر.
• توطين العلم والتقانة وتضييق الفجوة الرقمية والمعرفية.
• تشكل مناخ ثقافي منفتح يرسخ قيم التسامح والاختلاف وحرية التعبير وقنوات تمكن من تحقيق هذه القيم (صحافة حرة، منابر سياسية، إلخ).
• أبحاث تركز على مشاكل محلية مثل التصحر، وتطوير طاقات بديلة، وتحلية مياه البحر.
• كل ذلك سوف يسهم في خلق مجتمع قوي، ومنتج، وعادل، متسامح وآمن، تحكمه دولة مستقلة حرة، ذات سيادة تحظى باحترام المجتمع الدولي. إن أهم استحقاقات هذا الوضع هي الوعي بالأبعاد المشتركة بين الثقافة والتنمية والأمن وإحداث الموازنة اللازمة بينها.
6.3 سيناريو الاحتواء
وبحسبان أن احتمال حدوث سيناريو الأوضاع الراهنة وسيناريو ثقافة النهوض والتنمية المستدامة جد ضئيل، فالأول يسرف في التشاؤم، والثاني يمعن في التفاؤل، نعرض مسارا يتنزل منزلة وسطا بينهما، ولعله الأقرب لأن يكون واقعيا. فضلا عن ذلك، هناك بعض الاعتبارات الموضوعية التي تشكك في استمرارية الأوضاع الراهنة، تتمثل تحديدا في إرهاصات التغيير، وأخرى قد تسهم في الحول دون حدوث سيناريو ثقافة النهوض والتنمية المستدامة، أهمها وجود مراكز قوى ومصالح يتهددها هذا السيناريو. وتشمل ديناميات هذا السيناريو التالي:
• ارتهان السياسات والأفعال بالضغوطات الداخلية والخارجية.
• التركيز على إجراء إصلاحات اقتصادية أكثر من التركيز على إجراء إصلاحات سياسية.
• استمرار هيمنة قطاع النفط.
• زيادة حجم الاستثمار الأجنبي.
• بروز الطابع البراجماتي في التعامل مع القضايا الأيديولوجية.
• قدر أكبر من الاندماج في البيئة المعولمة.
• انفتاح تقني نسبي مع التركيز على وسائل الاتصال.
• تقدير أكثر موضوعية للأوزان النسبية للتوجهات الخارجية.
• زيادة الإنفاق على التعليم والصحة والبنية التحتية والخدمات الاجتماعية.
أما تداعياته فتشمل:
• استيعاب مؤقت للاحتقان الداخلي وحفاظ جزئي على الشرائح الداعمة للتغيير.
• إحداث تغييرات أكثر جذرية في قطاعات دون غيرها.
• إعادة إنتاج الفساد وظهور شرائح جديدة من المتنفذين وأصحاب المصالح.
• استمرار الخلاف حول توجهات الدولة ودورها.
• ازدهار اقتصاد الظل والسوق الموازية.
• تزايد الضغوطات العولمية على النظام السياسي.
• تحسن طفيف في مستويات المعيشة.
• تزايد معدلات التضخم.
• التلكؤ في إصدار الدستور وفي القيام بإصلاحات مؤسسية.
• استمرار ثقافة الاستهلاك.
• ازدهار نسبي في المشاريع السياحية ورواج المنتجات الثقافية الاستهلاكية.
• تزايد المطالب بالمشاركة السياسية.
• ارتفاع مستويات الصحة والتعليم.
• عدم توافق مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل، وتفاقم معدلات البطالة.
• قد تثير هذه التداعيات أزمات مجتمعية واقتصادية وسياسية، يستجاب لها على المدى الطويل بخلق مجتمع مدني أكثر فاعلية، وزيادة المشاركة السياسية، واقتصاد أكثر تنوعا، وقانون أكثر سيادة، لكنها قد تؤدي أيضا إلى إرباكات مجتمعية لا يمكن التحكم فيها، وإلى حدوث التفكك الاجتماعي وعجز الدولة عن الاستمرار في عملية استيعاب الاحتقان الاجتماعي.
• يمكن عرض طيف من السيناريوهات التي لا تختلف عن سيناريو الاحتواء إلا في تفاصيل تأخذه شطر سيناريو استمرار الأوضاع الراهنة أو شطر سيناريو ثقافة النهوض والتنمية المستدامة، وإن ظلت النتائج والتداعيات متقاربة. مثال ذلك أن الدولة قد تقوم بإعادة هيكلة مؤسساتها، وعوضا عن زيادة الإنفاق على التعليم والصحة والإسكان، قد تشرع في توزيع الثروة على المواطنين. غير أنه لا يتوقع وفق هذا السيناريو أن تتم إعادة الهيكلة في سياق تخطيطي شامل، أو تأسيسا على رؤية استشرافية، بل إنه لا يتوقع الركون إلى تصور عام متسق ومتفق عليه لدور الدولة ودور القطاع الخاص، ولا أن تكون هناك تشريعات ضامنة يتم الاحتكام إليها في تحديد هذا الدور.
• خلاصة القول إن هذا السيناريو سوف يفضي في النهاية إما إلى تداعيات استمرار الأوضاع الراهنة، بكل مخاطرها، أو إلى تفعيل جزئي لديناميات سيناريو ثقافة النهوض والتنمية المستدامة بعد إهدار المزيد من الوقت والطاقات. وهذان خياران يحيل كل منهما بطريقته إلى الخيار الثالث الذي تقترحه الرؤية، سيناريو ثقافة النهوض والتنمية المستدامة.
• أكثر من ذلك، فإن سيناريو الاحتواء، شأنه في هذا شأن سيناريو استمرار الأوضاع الراهنة، يتناقض أساسا مع مفهوم الثورة المتجددة، فالثورة لا تستسلم لاختلالات الراهن، وهي فعل وليست رد فعل، ومفهومها وإن تضمن استعدادا مستمرا للاستجابة لما يطرأ من تغيرات فإنه لا يرتهن بها، كونه يتبنى سياسة إحداث تغيرات جذرية حاسمة وشاملة، تتطلع إلى تحقيق قيم العدل والحرية والرفاه، عوضا عن سياسة ردود الأفعال التي يعول عليها سيناريو الاحتواء. لكن هذا يعني أن طبيعة الثورات المتجددة تفرض عليها الانحياز لسيناريو ثقافة النهوض والتنمية المستدامة.
• وفي النهاية، يتعين أن نأخذ في الاعتبار المتغيرات التي قد تطرأ على الساحتين المحلية والدولية والتي قد تؤثر في ديناميات وتداعيات سيناريو ثقافة النهوض والتنمية المستدامة، وأن نكون على استعداد للتكيف معها والاستجابة لها. الركائز التي تنهض عليها الرؤية سوف تسهم في ضمان عدم الارتهان بالطوارئ. غير أن اعتبار تلك المتغيرات يضفي على الرؤية طابعها الظني وينأى بها عن القطع والجزم، قدر ما يدفع عنها تهم الإسراف في التفاؤل والامتثال لتوجهات طوباوية النزعة. ليس هناك ضمان لأن نحقق المجتمع الذي نصبو إليه، لأنه قد تكون هناك أسباب نجهل في الوقت الراهن هويتها تتضافر في الحول دون إيفاء استحقاقات هذا المجتمع. ثم أن كل وضع اجتماعي يخلق مشاكله التي قد يصعب التكهن بطبيعتها. على ذلك، يبدو أن حظوظ سيناريو ثقافة النهوض والتنمية المستدامة أوفر من حظوظ سيناريو استمرار الأوضاع الراهنة وسيناريو ردود الأفعال في تحقيق مجتمع الأمن الإنساني الذي تطمح إليه هذه الرؤية.
• ومهما يكن من أمر تلك المشاكل، يظل الأفق مفتوحا، والإمكانات متاحة، والرغبة حقيقية، والاستعداد وافر، والأحلام ممكنة. فهل ثمة ما تبقى سوى الإرادة؟ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق